كتب هذا البحث في أوائل الثمانينات الهجرية (1383 هـ)
بطلب من سمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية في ذلك الوقت (رحمه الله)
“أتبع في هذا البحث منهج المقارنة مع النصوص، وشرط سلامة مثل هذا المنهج ألا يكون اختيار النصوص انتقائيا بحيث تتفق مع الآراء والأفكار المسبقة للباحث أو تهدف للاستدلال لها” – المؤلف
مدخل:
ربما كان من المستحسن الاستعانه بالنظريه الحديثه في فكرة التزام المرافق العامه، لبحث معالم هذه الفكرة في الفقه الإسلامي، وذلك نظراً لأن التصوير الحديث للفكرة قد عني بإبراز أسسها وتوضيح معالمها وخصائصها على نحو ربما لايوجد في كتب الفقه الإسلامي، وفي رسم الفكرة رُجعَ بصفة أساسية إلى الأستاذ الدكتور: عبدالرزاق السنهوري في كتابه الوسيط الجزء السابع (القسم الأول) فصل التزام المرافق العامة، والأستاذ الدكتور الطماوي في كتابه مبادئ القانون الإداري العربي (الطبعة الرابعة)
النظرية الحديثة لالتزام المرافق العامه
مقدمة وتعريف:
١- لعل أول سؤال يواجه الباحث في هذه النظرية السؤال المتعلق بطبيعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقة بين الإدارة والأفراد.
ويمكن القول أنه حيث يواجه هذا السؤال فإن الغالب أن يؤخذ بالرأي القائل بأن لهذه القواعد طبيعة خاصة تميزها عن القواعد المماثلة التي تحكم علاقة الفرد بالفرد وتتمثل هذه الطبيعة بأن الإدارة لا تكون مع الفرد في مركز الند للند، وإنما يكون لها في علاقتها معه مركز ممتاز.
وأساس هذا الرأي ومبرره فكرة السلطة العامة أي أن كون الإدارة صاحبة سلطة وسيادة هي ماترجع إليه حاجة الإدارة لقواعد قانونية مستقلة ومتميزة عن قواعد القانون الخاص
وذلك وفق مايذهب إليه رأي قديم.
أو فكرة المرفق العام أي قيام الإدارة على توفير الإشباع لحاجات عامة أي أن فكرة المرفق العام ومقتضيات حسن سيره هو ماترجع إليه حاجة الإدارة لقواعد قانونية مستقلة ومتميزة عن قواعد القانون الخاص.
وذلك وفق مايذهب إليه رأي حديث.
أو فكرة السلطة والمرفق العام مجتمعين.
وذلك وفق مايذهب إليه رأي أحدث.
خلاصة القول أن فكرة المرفق العام هي أساس، أو تَدْخُل في أساس، تمييز القواعد القانونية التي تحكم علاقة الإدارة بالأفراد.
٢- وعلاقة الإدارة بالأفراد تنشأ عن ممارستها لنشاطها، والإدارة تمارس النشاط في صورتين:
1.فهي تكتفي أحياناً – وذلك مايغلب على الإدارة في العصور القديمة أو في المجتمعات التي يسودها النظام الفردي- بأن تضع الضوابط المنظمة لنشاط الأفراد والتي تكفل تحقيق هذا النشاط لأهدافه دون المساس بالمصلحة العامة أو بمصلحة خاصة أخرى مشروعة، ثم هي تترك بعد ذلك للأفراد أن يزاولوا نشاطهم، وتترك لهم وحدهم أن يتولوا هم إشباع رغباتهم وحاجاتهم بوسائلهم الخاصة.
2.وفي بعض الأحيان – وذلك مايغلب على الإدارة في العصور الحديثة وفي المجتمعات التي يسودها النظام الجماعي- لا تكتفي الإدارة بهذا النشاط الفردي بل تتدخل بنفسها لإشباع حاجة من الحاجات العامة وذلك إذا قدرت أن الأفراد بوسائلهم الخاصة لا يستطيعون إشباع تلك الحاجة أو رأت أن المصلحة العامة تستلزم تدخلها لإشباعها.
٣- والمرفق العام يمكن تعريفه بأنه مشروع يعمل بإطراد وانتظام وتديره جهة الإدارة أو تنظمه وتشرف على إدارته ويقصد به أداء خدمات أو سد حاجات ذات نفع عام ويخضع لنظام قانوني معين، ومن أمثلته مرافق الدفاع والأمن والقضاء والصحة والتعليم ومرافق النقل الجوي والبري والبحري، والنور، والغاز، والماء.
٤- ومن التعريف يمكن استنتاج خصائص المرفق العام فهو:
أولا: إنما يقوم على أساس القصد في إشباع رغبة جماعية وسد حاجة عامة.
هذه الرغبة أو الحاجة هي على قدر من الأهمية يحول دون تركها للمشروعات الفردية وكما يقول أحد الفقهاء أن هذه الخدمة هي ما يُقّدر الرأي العام في وقت من الأوقات، وفي دولة معينة، أن على الحكام القيام بها نظراً لأهميتها للجماعة ولعدم إمكان تأديتها على الوجه الأكمل بدون تدخل الحكام، أو لأن الإدارة ترى أن في المصلحة العامة تقضي بأن تقوم هي بها.
وإذا كان القصد من المرفق العام سد الحاجة العامة فيجب أن لا يستهدف بصفة أساسية الربح وإن كان هذا لا يمنع من أن تدر إدارة المرفق العام في بعض الأحيان أرباحاً.
وهو ثانياً: يدار من قبل الجهة الإدارية أما مباشرة أو بأن تكون إدارتها تحت إشرافها ومراقبتها.
وهو ثالثاً: محكوم بنظام قانوني معين وهذا النظام يقوم على المبادئ الآتية (وكلها مبادئ مستحدثة من طبيعة المرفق العام):
أولاً: يجب أن يُكْفل للمرفق العام الدوام والاستقرار، ويكون ذلك بأن يتوافر فيه:
(1) الاستمرار (٢) والانتظام (٣) ومسايرة التطور.
ثانياً: يجب أن تكفل المساواة التامة -أمام المرافق العامة- بين الجمهور، فتكون فرص الانتفاع بالمرفق العام أمام جميع المستهلكين متساوية ولا يمتاز مستهلك على مستهلك آخر.
ثالثاً: يجب أن يكون المرفق العام في متناول من يحتاج إليه فلا يحرم منه لعلو سعره، والمرافق الإدارية البحتة (الدفاع والأمن والقضاء) تكون عادة مجانية، أو بمقابل لا يعنت الدافع، أما المرافق الاقتصادية فهي تكون عادة بمقابل في صورة رسم، ويراعي فيه دائماً أن لايكون مرهقاً للمستهلك.
رابعاً: تسري على المرافق العامة قواعد خاصة بها ليست هي القواعد المدنية التي تحكم علاقات الفرد بالفرد وإنما هي قواعد القانون الإداري.
٥- وتنقسم المرافق العامة – من وجه- إلى:
1.مرافق إدارية بحتة وهي المرافق التي تؤدي خدمات عامة غير ذات صفة اقتصادية، وهذه هي المرافق التي سبق القول في أن الدولة كانت تقتصر عليها في الماضي وأهمها مرافق: الدفاع والأمن والعدالة والصحة والتعليم،
2.مرافق اقتصادية وهي المرافق التي تسد حاجات ذات صفة اقتصادية، وتلك كمرافق توريد المياه والكهرباء والغاز والنقل الجوي والبحري والبري، وهذه المرافق في تزايد مضطرد وتطور سريع وبخاصة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتحتل هذه المرافق طابع الدول الحديثة القائمة على المبادئ الاشتراكية والاقتصاد الموجه.
٦- وانشاء مرفق عام معناه اقرار الهيئات الحاكمة بأن حاجة جماعية (ما) قد بلغت من الأهمية مبلغاً يقتضي تدخلها لكي توفرها للأفراد باستخدام وسائل القانون العام سواء كان الأفراد يستطيعون بوسائلهم الخاصة اشباع تلك الحاجات أم لا.
ولما كانت وسائل القانون العام تنطوي على قدر كبير من المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم كان لابد من إحاطة هذا الإنشاء بشيء من الضمانات للتأكد من أن هذا المساس له مايبرره، ولهذا فإن الغالب في الدولة الحديثة اشتراط أن يتم إنشاء المرفق العام لقانون أو بناء على قانون.
وكما يتم إنشاء مرفق، يتم إنهاؤه.
طرق إدارة المرافق العامة:
٧- نظراً لاختلاف أنواع المرافق العامة فقد كان من الطبيعي أن تتباين طرق إدارتها وفي الاختيار بين هذه الطرق تضع الإدارة نصب عينيها اعتبارات متعددة سياسية واجتماعية واقتصادية كالمرافق التي تمس الدولة في كيانها كمرافق الدفاع والبوليس والقضاء ليست كغيرها من المرافق كتوريد المياه والكهرباء والغاز.
ومن هذه الطرق يعنينا طريقتان:
الطريقة الأولى: طريقة الاستغلال المباشر:
وذلك بأن تقوم الدولة بنفسها أو بواسطة أحد الأشخاص الإدارية بإدارة المرفق العام مباشرة بعمالها وأموالها ويسري على عمالها نظام الموظفين العاملين، وعلى أموالها قواعد النظام المالي وتحكم هذه الإدارة على العموم قواعد القانون العام، وهذه الطريقة هي الطريقة التي تدار بها في الدول الحديثة جميع المرافق الإدارية وذلك إما لأن هذه المرافق غير مربحة فلا يمكن أن يُقِبل عليها الأفراد، وإما لأن الدولة ترى أن من الخطورة أو غير الملائم أن تسمح للأفراد بالمشاركة في إدارتها.
ويلاحظ أنه في العصور القديمة كان يعهد أحياناً للأفراد بإدارة المرافق العامة كما في حالة التزام جباية الضرائب أو الخراج، كما كانت بعض الشركات –الاستعمارية، كشركة الهند الشرقية- تقوم بإدارة جميع المرافق في البلاد المستعمرة.
وتتبع هذه الطريقة في إدارة بعض المرافق الاقتصادية كما تقتضي طبيعته أن يدار بهذه الطريقة كمرفق البريد والبرق، والإذاعة وقد تتبع هذه الطريقة في إدارة بعض المرافق الاقتصادية الأخرى لأسباب ترجع إلى أن نفقات هذه المرافق أكثر من أرباحها وذلك كالنقل بالسكة الحديد، أوبغرض توفيرها للمنتفع بسعر أقل كتوريد المياه.
كما أن أخذ الدولة بنظام اقتصادي معين، اشتراكي أو رأسمالي ونحوه، له أثره في هذا المجال.
الطريقة الثانية: الإدارة بطريق الالتزام:
وفي هذه الطريقة تعهد الإدارة في إدارة المرفق العام واستغلاله إلى ملتزم (فرد أو شركة) يقوم بتمويل المرفق ويستقل بتبعاته الماليه فسيتأثر بكل الإرباح ويتحمل كل الخسائر، وإنما تُحدد السلطة الإدارية في عقد الالتزام: نوع المرفق العام، والشروط التي يدار بها المرفق، وطرق الإشراف على الإدارة، كما تبين الحقوق والواجبات التي تكون للملتزم وعليه نحو السلطة الإدارية ونحو المنتفعين بالمرفق العام.
والإدارة تواجه اعتبارين:
أولاً: أن الملتزم من أشخاص القانون الخاص يبغي الربح من وراء الالتزام.
وثانياً: أنه في الوقت ذاته يدير مرفقاً عاماً يجب أن يكفل له الاستمرار، والانتظام، ومسايرة التطور، ويجب أن يكفل للجمهور المنتفعين بالمرفق أسعاراً معقولة
أي بمعنى آخر تواجه الإدارة اعتبارين: مصلحة الملتزم، ومصلحة المنتفعين، وتحاول التوفيق بينهما فإن استعصى عليها التوفيق غلبت مصلحة المنتفعين وهي مصلحة عامة على مصلحة الملتزم وهي مصلحة خاصة.
عقد التزام المرافق العامة:
٨- الطبيعة القانونية للعقد:
في تطور الفقه الحديث كان الرأي السائد في الماضي أن عقد الالتزام عقد مدني يخضع للقواعد المدنية التي تحكم العقود الخاصة وأهم هذه القواعد أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين.
ولكن مالبثت عيوب هذا الرأي أن تكشفت وأهم هذه العيوب أنها تجعل عقد الالتزام جامداً لا يتطور ولا تستطيع السلطة الإدارية أن تعدل شروط تنظيم المرفق وتسييره ولا الأسعار المقررة إلا برضا الملتزم فهي تُولِي الملتزم حماية تتنافى مع طبيعة المرفق ومقتضياته وما يجب للإدارة من سلطة تستطيع بموجبها أن تساير بالمرفق ما يقتضيه التطور فتعدل بمحض سلطانها دون حاجة إلى رضى الملتزم، وتنظيم المرفق وأسعاره على الوجه التي تقتضيه المصلحة العامة.
ونتيجة لذلك نشأ رأي متطرف آخر انتشر بوجه خاص في ألمانيا وإيطاليا ويذهب هذا الرأي إلى أن عقد الالتزام إنما هو تصرف قانوني من جانب واحد هو جانب الإدارة فهي التي وضعت شروط الالتزام بسلطتها الآمره، ورضخ لها الملتزم باختياره قبولها ويترتب على هذا الرأي أن السلطة الإدارية تستطيع بمحض سلطانها أن تعدل من شروط الالتزام وأن تلغيه، وكما وضعته بإرادتها المنفردة فتستطيع أن تعدله بإرادتها المنفردة دون حاجة إلى رضا الملتزم.
وتكشفت عيوب هذا الرأي بإغفاله إرادة الملتزم مع أن هذه الإرادة لعبت دوراً أساسياً في تكوين عقد الالتزام، ثم إنها تطلق يد الإدارة في عقد الالتزام حتى فيما يتعلق منه بالحقوق الشخصية التي كسبها الملتزم بموجب العقد فتزعزع مركزه.
ولهذا فقد قامت نظرية في العصر الحاضر صاغها الفقيه الفرنسي دويجيه ومقتضاه أن التزام المرافق العامة (عمل قانوني مركب) يحتوي على نوعين من النصوص:
1.نصوص تعاقدية وهي النصوص المتعلقة بما ينشئه عقد الالتزام من حقوق والتزامات شخصية للملتزم وهي النصوص المتعلقة بمدة الالتزام وكيفية استرداده وبالاتزامات المالية المتبادلة بين مانح الالتزام والملتزم وبالجملة كل شرط يمكن الاستغناء عنه لو أن المرفق أدير إدارة مباشرة.
فمثل هذه الشروط تخضع للقواعد التي تحكم العقود عادة.
2.نصوص لائحية وهي النصوص الخاصة بتنظيم المرفق العام وحسن سيره كتحديد أسعار الخدمات المقدمة والإجراءات الكفيلة بحفظ سلامة المنتفعين وشروط الانتفاع بالخدمة التي يقدمها المرفق وبالجملة كل الشروط التي لا يستغني عنها لو أدير المرفق العام بالطريق المباشر.
ومثل هذه النصوص نصوص تنظيميه لها حكم القانون فتملك السلطة الإدارية بمحض سلطانها ومن غير رضا الملتزم نقضها أوتعديلها بما يتفق مع المصلحة العامة.
٩- كيف يمنح الالتزام:
يمكن يمنح الالتزام عن طريق الاحتكار فيكون للملتزم حق الانفراد باستغلال المرفق العام فلا يجوز لغيره أن يستغل المرفق، ويكون ذلك عادة في المرافق العامة التي لا يحتمل المنافسة اذ يكون منها ضياع للأموال والجهود، وتشدد في العادة في منح الالتزام بهذه الطريقة اذا تشترط مثلاً صدور المنح بقانون ويمكن أن يمنح عن طريق الامتياز فيكون للملتزم حق استغلال المرفق العام ولا يمنع غيره من الأفراد والشركات من استغلاله أيضاً ولكن في هذه الحاله تتعهد الإدارة عادة للملتزم بأن لاتمنح غيره من المنافسين له التسهيلات التي تمنحها إياه كالترخيصات اللازمة والإعانات وحق استعمال الأملاك العامة وما إلى ذلك، فيكون في الغالب في وضع المحتكر الفعلي، ومثل هذا الالتزام يمنح عادة بإدارة أدنى من القانون، وعادة تشترط القوانين تحديد مدة لمنح الالتزام مهما كانت الطريقة التي تمنح به.
١٠- آثار الالتزام:
إن التزام المرفق العام باعتباره كما قدمنا عملاً قانونياً مركباً يولد التزامات و حقوقاً مختلفة.
ويمكن حصر الحقوق التي تمنح بها الإدارة مانح الالتزام في :
1- حق الرقابة على إعداد المرفق العام و إدارته.
2- حق تعديل النصوص اللائحية بدون توقف عن إرادة الملتزم.
- حق استرداد المرفق قبل انتهاء مدته.
وهذه الحقوق كلها تستمد من طبيعة المرفق العام ووجوب مسايرته للظروف دائماً ليؤدي خدماته على أحسن وجه.
و تنحصر حقوق الملتزم في:
1.اقتضاء الرسم المتفق عليه من المنتفعين بالمرفق و لا يمنع ذلك من حق الإدارة بتعديله بإرادتها المنفردة زيادة أو نقصاً بشرط أن لا يخل ذلك بحق الملتزم في الحصول على ربح معقول.
- الحصول على المزايا المالية المتفق عليها من الإدارة.
- التوازن المالي للمشروع فلا يجوز للإدارة الإخلال بهذا التوازن عن طريق تدخلها في تنظيم المرفق العام
١١- يلاحظ أن هذه الطريق بالرغم من مزاياها لها عيوبها ، لذا فإن الاتجاه العالمي عدم استعمال هذه الطريق إلا لإدارة المرافق الاقتصادية قليلة الأهمية كتوريد المياه و النور ، و النقل المحلي أما بالنسبة للمرافق الاقتصادية الأكثر أهمية فيلجأ في العادة إلى طريقة من الطرق الآتية:
أ- خصوصية الاستغلال ب – الاستغلال المختلط ج – التأميم
في الفقه الإسلامي
تحفظ:
إن اختلاف الصياغة بين الفقه الإسلامي و الفقه الحديث ، و عدم مواجهة الفقه الإسلامي مباشرة لكل التصويرات الفقهيه التي قدمناها ، يجعل من غير المتيسر الجزم بمذهب الفقه الإسلامي فيما يتعلق بهذه التصويرات، و لذا فإن تخريج مثل هذه التصويرات في الفقه الإسلامي، يجب أن يؤخذ على أساس الافتراض الخاضع للمناقشة.
المسألة الأولى: طبيعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقة بين الإدارة و الفرد .
أ- بادئ ذي بدء يحسن أن نكون على بيّنةٍ من أمرين، كان لهما أثر كبير في مذهب الفقه الإسلامي بالنسبة لهذه المسألة:
أولاً: تحكم الصياغة الفقهيه، ورغبة الفقهاء (عادة) في اخضاع كل القواعد القانونية مهما أمكن لمنطق قانوني واحد ، و قد رأينا فيما سبق أن الفقه الحديث في نظريته لالتزام المرافق العامة رآه في البداية عقداً مدنياً بحتاً.
ثانياً: الظروف التي وجد فيها الفقه الإسلامي ، و تتميز بتخوف الفقيه من إعطاء السلطة للادارة نظراً لصفة الاستبداد الغالبة على الحكام في تاريخ الدولة الإسلامية.
فالأصل أن الإمام المجتهد العادل كما سنرى مسلط إلى حد على تعديل العلاقات القانونية بين الإدارة و الإفراد عند اقتضاء المصلحة و مسلط على إجراء التصرفات التي تستهدف المنفعة العامة في حدود القواعد الشرعية ، و الأصل أنه لا يجوز لأحد أن يغتصب هذه السلطة و أن يفتات عليها، ومع ذلك فنظراً لغلبة الاستبداد على الحكام و انعدام العدل و الاجتهاد في غالبهم حرص الفقهاء على تقييد حرية السلطان في تعديل العلاقات القانونية التي نشأت بين الإدارة و الأفراد فلم يجوزوا للسلطان تغيير مقدار الخراج عن ما وضعه الأئمة السابقون ، و قيدوا حريتهم في الاقطاع و التصرف في الأموال العامة ، و أجازوا للأفراد أن يتولوا بأنفسهم التصرف – في بعض الأحيان – بما يقع تحت أيديهم من الأموال العامة بصرفها في مصارفها الشرعية ، بل أجازوا للأفراد الاستيلاء لأنفسهم – في بعض الأحيان- على بعض الأموال العامة ( تراجع ١،٢،٣،٤ ).
ب- تنشأ العلاقات القانونية إما بسبب عمل مادي أو عمل قانوني ، وفي مجال الحديث عن العلاقات القانونية بين الأفراد فالأصل أن يكون العمل القانوني الذي ينشئ العلاقة القانونية هو العقد حيث يختار الطرفان و يرضيان أن تنشأ بينهما العلاقة القانونية ، و حيث لا يستقل فرد واحد بإرادته المنفردة بإنشاء علاقة قانونية بينه و بين غيره.
أما في العلاقات القانونية بين الإدارة و الفرد فالغالب أن يظهر العمل القانوني الذي ينشؤها في صورة الإدارة المنفردة فالإرادة ليست نداً للفرد ، و لها سلطان عليه يكون لها بموجبه أن تصدر قرارات بإرادتها المستقلة و تؤثر على مراكز الأفراد القانونية.
وفي الفقه الإسلامي نرى أن الفقهاء تحت تأثير من سيطرة الصياغة الفقهيه و الرغبة في تقييد حرية الإرادة قد حرصوا على أن يصوروا الأعمال القانونية التي تصدر عن الإرادة الإسلامية في صورة العقود ، لا في صورة القرارات و التصرف بالإرادة المنفردة.
فالإمامة نفسها عقد ، بين الإمام و أهل الاختيار ، و المناصب الأخرى كالوزارات و القضاء و الامارات و الوظائف الأخرى إنما توجد بواسطة عقود أو عهود للتقليد بين الإمام و الوزير و بين الإمام أو نائبه والقاضي، أو بينهما و الأمير، أو بين نواب الإمام في تدرجهم في مراكز النيابة ، و متولي الوظائف الأخرى، و كل هذه العقود عقود وكالة ، أو عقود إجارة.
و تمكين الفلاحين من العمل على أراضي الدولة الزراعية لخراج مضروب عليها عقد خراج ، و ضرب الجزية على الذميين عقد ذمة.
و تمكين الحربيين من دخول دار الإسلام و المقام فيها آمنين عقد أمان ، ولم يقتصر هذا التصوير على التسمية أو على التكييف بل حاول الفقهاء ما أمكن تطبيق أحكام العقود بين الأفراد على هذه العقود ، فمن ناحية : اشترطوا أحياناً صدورها مراعى فيها ( الشكل ) الواجب مراعاته في إبرام أشباهها من العقود بين الأفراد و من ناحية أخرى ترتبت النتيجة المنطقية للعقود وحيث يكون لها القوة الملزمة لطرفيها و حيث يكون العقد شريعة المتعاقدين و لعل الفقهاء رأوا أصلاً لهذه الفكرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حينما بعثه إلى اليمن إذ جعل ديباجه عهده إليه الآية الكريمة : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .
( يرجع إلى ٢٢،٢١،٢٠،١٩،١٨،١٧،١٦،١٥،١٤،١٣،١٢،١١،١٠،٩،٨،٧،٦،٥).
جـ – و حينما ينتهي الفقه إلى تكييف أعمال الإدارة القانونية و قراراتها بأنها عقود و يحاول أن يجري عليها أحكام العقود فإنه لا مجال سيواجه موقفاً صعباً.
و أول مظاهر صعوبته المتعلقة بالشكل ، فاشترط صيغ العقود العادية قد يترتب عليه بطلان كثير من الأعمال القانونية الإدارية بما يترتب على ذلك من نتائج تناقض المصلحة العامة. ولهذا فقد احتاج الفقهاء إلى النص بأن هذه العقود لا يراعى فيها ما يراعى في العقود المعتادة.
و بعد ذلك فإن منافاة أحكام العقود الإدارية لطبيعة العقود أن طبيعة هذه العقود تتنافى مع هذه الأحكام توجب القول بعدم إمكان تكييفها بالعقود العادية أو القول بعدم انطباق بعض أحكام تلك العقود عليها و إذ كان الفقهاء قد التزموا تكييفها بما يشبهها من العقود المعتادة فقد التزموا أيضاً القول بعدم انطباق بعض أحكام العقود المعتادة عليها و لكن كيف تبرير ذلك ! لقد يرون بأن المصلحة العامة تقتضي اختصاص عقود الإدارة بأحكامها.
و إذاً، فقد تقررت هذه القاعدة التي سيكون لها أعظم الأثر ، أن المصلحة العامة من شأنها أن توجب اختصاص العقود العامة ( وقد سموها كالفقه الحديث بها الاسم ) بأحكام قد لا تتفق و أحكام العقود الخاصة ( وقد سموها أيضاً كالفقه الحديث بهذا الاسم ).
توضيح بعض ما سبق أن بعض الفقهاء التزم تكييف الخراج بأنه بيع للأرض بثمن دوري مؤبد ، ولكنه لم يُعرف في عقود البيوع المعتادة بيع بثمن دوري مؤبد.
و التزم بعضهم تكييفه بأنه إجارة ، و كان ينبغي لهم لو التزموا تطبيق أحكام الإجارة عليه ، أن يكون باطلاً لعدم تقدير المدة و في حالة الخراج على الشجر أن يكون باطلاً جرياً على أصولهم في أنه لا يجوز إجارة الشجر لأخذ ثمارها.
و الأمر الأكثر أهمية ما يتعلق بالقوة الملزمة للعقد ، فإذا كانت تولية الوظائف العامة وكالة فينبغي أن يكون العقد جائزاً من الطرفين ، فيجوز للمولي التخلي عنه ، أو كانت إجارة فينبغي أن يكون العقد ملزماً للطرفين فلا يجوز للإدارة فسخه حتى تنتهي مدته إذا كان محدد المدة.
وقد التزم الفقهاء أن هذه العقود العامة تنطبق عليها أحكام تختلف أحياناً مع أحكام العقود الخاصة ، و قرروا بأن العلة في ذلك اقتضاء المصلحة العامة لهذا التمييز .
و ذهب بعضهم خطوة أبعد من ذلك فرأى أن هذه العقود العامة عقود متميزة فهي غير العقود الخاصة ، وتطبق عليها أحكام غير الأحكام التي تطبق على العقود الخاصة ، و ذلك بما يتلاءم و طبيعتها ، فالخراج أصل بنفسه ، وهو عقد متميز عن العقود الخاصة ، وقد عقد على المصلحة و النظر للإسلام ، و عقود الهدنة و الأمان عقود غير لازمة.
يراجع (٣٥،٣٤،٣٣،٣٢،٣١،٣٠،٢٩،٢٨،٢٧،٢٦،٢٥،٢٤،٢٣،١٤،١٣)
د: وقد رأينا أن الفقه الحديث حينما انتهى إلى أن العلاقة القانونية التي تكون الإدارة طرفاً فيها ينبغي أن تحكم بقواعد قانونية متميزة عن القواعد التي تحكم العلاقات القانونية بين الأفراد رأيناه في بحثه عن أساس لهذه النتيجة يتردد بين فكرتين فكرة السلطة ، و فكرة المنفعة العامة ، أما الفقه الإسلامي فلا يتردد في تأسيس النتيجة المشار إليها على فكرة المنفعة أو المصلحة العامة ، وهذه الفكرة فكرة أصلية في الموضوع في الفقه الإسلامي إذ يرى هذا الفقه أن السلطة أو الولاية العامة محدودة الاختصاص باستهداف المصلحة العامة فتصرف الوالي منوط برعاية المصلحة العامة فإذا تجاوز هذه المصلحة فالأصل أن يكون معزولاً عن التصرف ، و أن يكون تصرفه غير نافذ ، و لا أثر قانونياً له.
يراجع ( ٣٩،٣٨،٣٧،٣٦ ).
هـ : و إذا كان تصرف الوالي في حدود المصلحة فإن ذلك يقتضي وجوب أن تكون العلاقة القانونية التي ينشؤها بتصرفه ( سواء اُعْتُبر أنه عقد ، أو تَصّرفٌ بالإدارة المنفردة) يجب أن تكون موافقة للمصلحة العامة في الابتداء و الاستمرار بمعنى أنه إذا تبين أن العلاقة القانونية التي انشئت لغرض المصلحة العامة قد استنفذ غرضها ، فإنه يتعين نقضها و إلغاؤها.
وترد على الذهن حينئذ قضية الحقوق المكتسبة، والمراكز القانونية الثابتة ومايجب لها من الرعاية وابعادها عن خطر الاضطراب والتزعزع.
والفقه الإسلامي بعد أن انتهى إلى أن للوالي في حدود التَصَرّف بالاجتهاد، قرر أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ولهذه القاعدة أساس عملي إذ لو قيل بأن الاجتهاد ينقض بالاجتهاد لما استقر أمر وللزم أن ينقض النقض إلى مالا نهاية.
وإذا قيل بأن الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد فأنما ينبغي أن يكون ذلك بقدر ما تحمي هذه القاعدة الحقوق المكتسبة والمراكز القانونية الثابتة به، وإذا قيل بأن الاجتهاد حُكم، فإنما ينبغي أن يكون ذلك في عين القضية التي صدر فيها.
ولا ينبغي لهذه القاعدة أن تشل يد الإدارة عن ممارسة التصرف بما تقتضيه المصلحة العامة، ولهذا نرى الفقهاء يصرحون أحياناً بأن قاعدة الاجتهاد لا تنقض بالاجتهاد إنما تطبق في شأن الماضي ولا تطبق في شأن المستقبل بمعنى أنها تطبق بقدر تفادي الأثر الرجعي للتصرف، وأحياناً ينازعون في طبيعة التصرف وصحة تكييفه بأنه حُكم، ومن ثم إجراء قواعد الأحكام عليه.
وهم في هذا يتنازعهم عاملان:
- وجوب حماية الحقوق المكتسبة، والمراكز القانونية، وإضفاء صفة الالزام على الأعمال القانونية
- وجوب حماية المصلحة العامة.
يراجع (٥٥،٥٤،٥٣،٥٢،٥١،٥٠،٤٩،٤٨،٤٧،٤٦،٤٥،٤٤،٤٣،٤٢،٤١،٤٠).
و- والفقه الحديث بعد أن انتهى إلى أن القواعد القانونية التي تحكم علاقات الإدارة مع الأفراد قواعد متميزة في طبيعتها، قبل فكرة القضاء المتخصص لتطبيق هذه القواعد، بالرغم من معارضة هذه الفكرة لمبدأ وحدة القضاء، فوجد القضاء الإداري، الذي يتميز باختصاصه بحل المنازعات التي تنشأ بين الإدارة والأفراد، ويتميز بقواعده التي قد تختلف عن القواعد التي تحكم القضاء العادي وكذلك في الفقه الإسلامي وجد إلى جانب القضاء قضاء متميز يعني بحل المنازعات التي تنشأ بين جهات الإدارة أو بين الجهات الإدارية والأفراد، ويطبق هذا القضاء قواعد متميزة عن القواعد التي يطبقها القضاء العادي ولاسيما تلك القواعد المتعلقة بالاثبات والإجراءات، وقد سٌمي هذا القضاء قضاء المظالم أو ولاية المظالم.
(يراجع ٥٩،٥٨،٥٧،٥٦).
ز- والخلاصة، أنه يمكن القول بأن الفقه الإسلامي كمبدأعام يقبل فكرة تمييز القواعد القانونية التي تحكم علاقة الإدارة مع الأفراد عن تلك القواعد التي تحكم علاقة الأفراد بالأفراد.
والأساس القانوني لهذه الفكرة في الفقه الإسلامي، نظرية المنفعة العامة والمصلحة العامة. ولا يرتب الفقه الإسلامي على قبوله لهذه الفكرة الإخلال بمبدأ حماية الحقوق المكتسبة أو المراكز القانونية الثابتة، وهذه الفكرة هي -في الغالب- سبب وجود قضاء متخصص في المنازعات الإدارية. يحكم هذه المنازعات ويطبق في حكمه لها قواعد متميزة عن قواعد القضاء العادي.
المسألة الثانية: وظيفة الإدارة وسلطتها فيما يتعلق بالمرافق العامة:
هل تقتصر وظيفة الإدارة في الإسلام على وضع الضوابط المنظمة لنشاط الأفراد دون أن تتجاوز ذلك إلى التدخل إلى إشباع رغباتهم وحاجاتهم؟ أم أنه من وظيفتها العمل على توفير الحاجات العامه للأفراد وإشباع هذه الحاجات؟
وبعبارة أخرى هل تقتصر سلطة الإدارة في الدولة الإسلامية على القوامه على المرافق العامة ذات الطابع الإداري البحت أم يمكن أن تمتد لتنظيم المرافق العامة ذات الطابع الإقتصادي.
أ- يتبين من النصوص أن من واجب الإدارة في الإسلام العمل على توفير كل ما أمكن اعتباره من الحاجات العامه للمجتمع الإسلامي.
والأصل في ذلك -وفق منطق الفقه الإسلامي- أن توفير الحاجات العامه للمجتمع الإسلامي فرض ديني وهو واجب لا على شخص معين بذاته وإنما على المجتمع يؤديه المجتمع ممثلاً في الإدارة، أو يؤديه ممثلاً في بعض أفراده فهو مما يطلق عليه فرض الكفاية، ولا فرق في ذلك بين المرافق العامه الإدارية البحته، والمرافق ذات الطابع الإقتصادي، فالدفاع الخارجي (الجهاد) والدفاع المدني (الشرطة والحسبة) والعدالة (القضاء) كلها من فروض الكفاية ، كما يعتبرمن فروض الكفاية توفير الخدمات والسلع المحتاج إليها.
وفرض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإن عطله الكل أثموا وكان من واجب الإدارة أن تحملهم على أدائه.
يراجع (٦٠، ٦١، ٦٢، ٦٣).
ب- وفي تاريخ الإدارة الإسلامية كانت الدولة في الغالب تسيطر على جزء كبير من مصادر الثروة القومية وكانت لذلك بالإضافة إلى توفيرها المرافق الإدارية البحتة تنشط لإشباع الحاجات العامة كلما كان ذلك ممكناً عملياً وكلما قدرت أن الأفراد بوسائلهم الخاصة لا يستطيعون إشباع تلك الحاجات.
وكان المفترض لذلك أن الدولة لديها القدرة على توفير الخدمات العامة المعتادة، عن طريق الخراج والجزية والزكاة، والمصادر الأخرى الأقل أهمية.
ولكن الفقهاء واجهوا فرض عدم كفاية هذه المصادر المعتادة لمواجهة الحاجات العامة، فقبل بعضهم فكرة نقل العبء المالي اللازم لمواجهة هذه الحاجات إلى المجتمع، ورأوا أن من المممكن فرض جبايات على المجتمع تضاف إلى المصادر المعتادة لبيت المال.
يراجع (٦٤، ٦٥).
ج- على أنه لأسباب تاريخية -كما هو الحال بالنسبة للدول الأخرى في العصور القديمة- كانت الدولة تقصر أغلب نشاطاتها على تنظيم المرافق العامة ذات الصبغة الإدارية البحتة.
وعند الرجوع إلى المارودي مثلاً في تعداده لوظائف ذات الطابع الإداري البحت.
المسألة الثالثة: المرفق العام والنظام القانوني الذي يحكمه:
قد تقدم أن توفير الخدمات العامة التي يحتاج إليها المجتمع في الفقه الإسلامي واجب من الواجبات، ويترتب على هذا وجوب أن يكفل للمرفق العام الدوام والاستمرار، كما يترتب عليه وجوب تساوي أفراد المجتمع الإسلامي أمامه بأن تكون فرص الانتفاع به متاحة للجميع وذلك يوجب أن يكون المرفق العام في متناول من يحتاج إليه فلا يحرم منه لعلو سعره.
ومن ناحية أخرى فقد رأينا أن القواعد القانونية التي تحكم تصرفات الإدارة، تختلف عن تلك القواعد التي تحكم تصرفات الأفراد ولذا يمكن القول بأن الفقه الإسلامي يقبل كمبدأ عام أن تسري على المرافق العامة قواعد متميزة تختلف عن القواعد التي تسري على العلاقات المدنية البحتة.
ولذا لا يعتبر من قبل التعسف في إصدار الأحكام أن يقال أن الفقه الإسلامي يقبل فكرة أن يكون المرفق العام محكوماً بنظام قانوني معين يقوم على مبادئ تشبه المبادئ التي يقوم عليها النظام القانوني الذي يحكم المرفق العام في الفقه الحديث.
المسألة الرابعة: انشاء المرافق العامة:
ذكر الفقهاء أن وضع الخراج، وعقد الجزية، وعقد الأمان العام، وعقد الهدنة، وتقليد الوزراء، وتولية القضاة كل هذه الأمور من المصالح العامة الكبيرة فيجب أن تصدر عن الإمام أو من يفوضه في كل منها بخاصة ويمكن القول أن هذا شأن كل المرافق العامة، وهذا شبيه بما يجري عليه الفقه الحديث من الاشتراط في الغالب أن يكون إنشاء المرافق العامة بأعلى أداة قانونية، فينشأ لقانون أو بناء على قانون.
يراجع (٦٦، ٦٧).
٦- المسألة الخامسة: طرق إدارة المرافق العامة:
كما في الفقه الحديث وجد في تاريخ الإدارة الإسلامية طريقان لإدارة المرافق العامة طريقة الإدارة المباشرة، وطريق الإدارة عن طريق الإلتزام.
والأصل في الفقه الإسلامي أن المرافق العامة ذات الطابع الإداري البحت، من وظائف الدولة التي لا يكون لها أن تتخلى عن القيام بها فعليها أن تتولى الدفاع الخارجي والدفاع الداخلي، وتقيم أجهزة العدالة، وبالجملة فتتولى مباشرة إدارة كل المرافق العامة التي تمس الدولة في كيانها، وذلك ماكانت الإدراة نفسها ترى أنها ملزمة به، على أنه تحت تأثير من غلبة الاستبداد على الحكام وحرصهم على جمع الأموال وانفاقها على رغباتهم الخاصة مما أوجب عدم اتساعها للجهاز الإداري الضخم الذي يقتضيه ممارسة الدولة لكل وظائفها، تحت تأثير من ذلك بدأت الإدارة تتخلى عن الإدارة المباشرة لبعض وظائفها الأساسية، وذلك كالجباية مثلاً، بل لقد وجدت فكرة التخلي عن الإدارة المباشرة لمرافق أهم كمرفق القضاء.
وقد بدأ هذا الاتجاه بلجؤ بعض الخلفاء (هشام بن عبدالملك) إلى الإدارة عن طريق التلزيم لبعض أملاكه الخاصة (قطائعه) ثم أصبح اتجاهاً عامه.
ولكن هذا الاتجاه كان دائماً موضع السخط من الفقهاء وفي رسالة الخراج التي كتبها أبو يوسف لهارون الرشيد نقد لهذا الاتجاه (النص رقم ٦٨).
ولجأت الإدارة إلى هذا النظام أيضاً بالنسبة لتوفير بعض السلع والخدمات كالحمامات والخانات ونحوها، ولم يكن قصد الإدارة من ذلك توفير الخدمة العامة بقدر ما كان الرغبة في الحصول على عائد يضاف إلى الأموال التي يسيطر عليها الولاة.
ولهذا لم يكن هذا النظام -في أكثر الأحيان- موضع الرضى من الفقهاء.
(يرجع ٦٨، ٦٩، ٧٠، ٧١، ٧٢، ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦، ٧٧، ٧٨).
٧- المسألة السادسة: التزام المرافق العامة:
أ- الطبيعة القانونية لالتزام المرافق العامة:
بالرغم من انتشار نظام التزام الجباية، وبالرغم من وجود نظام لالتزام توفير بعض السلع والخدمات فإن الفقهاء حسب ما انتهى إليه علمي ربما بتأثير من عدم رضاهم عن هذا النظام، لم يتعرضوا لهذا النظام بالبحث إلا في القليل، جاء في الأحكام السلطانية للمارودي (نص رقم ٦٩) ” فأما تضمين العمال لأموال العشر والخراج فباطل لا يتعلق به في الشرع حكم … وحكى أن رجلاً آتي ابن عباس رضي الله عنه ليتقبل منه (الأُبُلّه) بمائة ألف فضربه مائة سوط وصلبه حياً تعزيراً وأدباً”.
ولكن بالرغم من ذلك فابستعادة ماسبق الإيضاح عنه في المسألة الأولى، وأخذاً بالاتجاه السائد في الفقه في تكييف التصرفات القانونية الإدارية فإنه ينبغي القول باعتبار التزام المرافق العامة عقداً، وليس تصرفاً بالإرادة المنفردة للإدارة.
وفي النص رقم (٧٠) نرى إلى أن بعض الفقهاء ذهب إلى تكييف الالتزام بأنه عقد إجارة أي أن السلطان أجر الملتزم مرفق الخراج لاستغلاله، وفي النص رقم (٧١) ذهب آخرون إلى تكييفه بأنه اقطاع أي تصرف بالإرادة المنفردة للسلطان، لكن هذين الرأيين لم يقبلا.
وعند القول بأن التزام المرفق العام عقد ينبغي أخذا بالاتجاه السائد في الفقه الإسلامي أن يقال بوجوب اعتبار هذا العقد من العقود العامة، وأن يقال بوجوب خضوعه للمبادئ العامه التي تحكم مثل هذه العقود.
ب- كيف يمنح الالتزام:
١- في الفقه الحديث رأينا أن الالتزام يترتب به نوع من الاختصاص باستغلال المرفق العام فيكون الملتزم في وضع المحتكر القانوني أو المحتكر الفعلي وفكرة منح الاختصاص فكرة مقبولة في الفقه الإسلامي بشرط أن يستهدف المنح المصلحة العامة أو المباحات إقطاع تمليك أو استغلال.
فالأنهار العظام، والمعادن الظاهرة كالملح والقار والنفط لا يجوز منح الاختصاص بها إذ أن الانتفاع بها ممكن للكافة بدون وساطة المقطع، ولأن في منح الاختصاص بها إضراراً بالكافة، من منعهم من الحصول على سلعة كان يمكنهم الحصول عليها مباشرة بجهد يسير.
أما المنافع الأخرى التي لا يمكن الاستفادة منها إلا بجهد وعمل فإن في منح الاختصاص بها تشجيعاً على العمل وتسيراً للكافة للحصول على السلع بواسطة من منح الاختصاص.
ولهذا فإن الإمام (بقيد رعاية المصلحة العامة) يجوز له أن يمنح الاختصاص بالأرض الموات لمن يحييها بالزراعة والبناء، وأن يمنح الاختصاص باستغلال المعادن الباطنة التي لايوصل إليها إلا بجهد وعمل وبذل أموال كمعادن الذهب والحديد والصفر.
يراجع (٤٨، ٧٩، ٨٠، ٨١، ٨٢، ٨٣، ٨٥).
٢- الاختصاص باستغلال المرفق العام قد يتقرر للإدارة (كما في حالة الحمى) وقد يتقرر للأفراد بالمنح من قبل الإدارة كما رأينا، ولكن على الوجهين يجب أن يكون مقتضى المصلحة العامة، فإن كان على العكس من ذلك يضر بمصالح الناس منع منه، ولهذا نرى بعض الفقهاء يمنعون من أن تأخذ الإدارة عوضاً عن منح الاختصاص، خشية من تجاوز الولاة المصلحة العامة رغبة في الحصول على عائد من وراء الاختصاص.
ولكن بافتراض اجتهاد الإدارة للمصلحة فينبغي إن يقال بأنه لا مانع من أن تمنح الإدارة الامتياز بعوض مالي تشترطه للخزانة العامة. وقد صرح بعض الفقهاء (النص رقم ٩٠ والنص رقم ٩١) بجواز ذلك.
يرجع إلى (٨٦، ٨٧، ٨٨، ٨٩، ٩٠، ٩١).
٣- وأن قيد المصلحة العامة في منح الاختصاص باستغلال المرافق العامة هو ماينبغي في رأيي أن يفسر به ماورد في نصوص الفقهاء في عدم تجويز منح الاختصاص في بعض الأحوال، وهو ظاهر لمن تأمله.
ج- آثار عقد الالتزام:
رأينا أن الفقه الحديث نتيجة لاعتبار هذا العقد من العقود العامة يخضعه لأحكام متميزة فيجعل للإدارة سلطة بالنسبة لتنفيذ هذا العقد، لا يكون مثله لطرف من طرفي العقود المعتادة.
فيجعل لها حق الرقابة على إدارة المرفق العام، وحق تعديل النصوص اللائحية بدون توقف على إرادة الملتزم، ويجعل لها حق استرداد المرفق العام قبل انتهاء مدة العقد إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة دون أن يكون للملتزم حق عليها في غير تعويضه عن الأضرار التي تلحق به من جراء فسخ العقد.
والحق الأول كما نرى متلازم مع الحق الثاني، وربما كان من أهم الأمور المتعلقة بهذين الحقين إعادة النظر في السعر الذي يتقاضاه الملتزم من الجمهور لقاء السلعة أو الخدمة المؤداة. وقد بحث الفقهاء مسألة تعديل الأسعار المتفق عليها مع الملتزم بإرادة الإدارة المنفردة في مناسبتين:
أولا: الزيادة أو النقص في الخراج، ومع أنه كانت هناك قضيتان أو أكثر من قضايا الصياغة توجب التوقف في القول بأن للإدارة سلطة تعديل الأسعار.
فمن ناحية تقرير الخراج إنما هو باجتهاد الإمام، والقاعدة العامة أن الاجتهاد لاينقض بالاجتهاد.
ومن ناحية ثانية الخراج عقد في رأي بعض الفقهاء لازم من جهة الإدارة، ولزومه يمنع من تعديل شروطه.
ومع ذلك فيمكن القول بأن الاتجاه الذي ساد هو جواز تعديل الأسعار إذا تغيرت الظروف واقتضت التعديل بالزيادة أو النقص وقد حدث فعلاً أن غير نظام الخراج كلية من أخذ عوض محدد على المساحة إلى نظام المقاسمة.
ثانياً: تسعير الخدمة أو السلعة في حالة الاحتكار الفعلي أو القانوني: ،مع أن تدخل الإدارة في تسعير السلع والخدمات التي يتبادلها الجمهور كان موضع خلاف بين الفقهاء وكان الفقهاء في الأصل يمنعون التسعير لما يوجبه من تدخل في حرية الفرد فقد أجازوه في الغالب حيث تقتضيه المصلحة العامة، وذلك في حالة الاحتكار الفعلي أو القانوني، ويقصد بالاحتكار هنا انحصار بيع الخدمة أو السلعة في شخص واحد، بل حكى بعضهم أنه لا خلاف بين العلماء في جوزه في هذه الحالة.
أما في ما يتعلق باسترداد المرفق العام من الملتزم قبل انتهاء مدته فإن هذا الموضوع لم يبحث فيما وصل إليه علمي صراحة، وإن كان الفقهاء قد بحثوا الرجوع في الإقطاع (الاختصاص الممنوح لتملك إو استغلال الأرض أو المرافق الأخرى) وقد أجازوه في الغالب وأصله فعل عمر في إرجاعه إقطاع النبي صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث.
ويمكن القول أخذاً بالاتجاه السائد عند الفقهاء بالنسبة للعقود العامة والذي تقدم شرحه أن فكرة استرداد المرفق العام من الملتزم لاتنافي الأصول الفقهية، لا سيما إذا جرى به العرف.
(يرجع إلى ٩٢، ٩٣، ٩٤، ٩٥، ٩٦، ٩٧، ٩٨، ٩٩) (ويرجع أيضاً إلى ٢، ١٥، ٣٢، ٣٧، ٥٤، ٥٥، ٨٥، ٨٦).
النصوص المرجعية
1.وإن عطلها (الأرض الخراجية) صاحبها فعليه الخراج لأن الثمن كان ثابتا وهو الذي فوته، قالوا: من انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ كَانَتْ مَثَلًا تَزْرَعُ الْكَرْمَ فَزَرَعَهَا حُبُوبًا أُخِذَ مِنْهُ خَرَاجُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وهذا يعرف ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس … إذْ يَدَّعِي كُلُّ ظَالِمٍ أَنَّ أَرْضَهُ تَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ وَعِلَاجُهُ صَعْبٌ.
بتصرف بسيط من: (الهداية في شرح بداية المبتدي- المرغيناني وفتح القدير- ابن الهمام، ج4 ص 365)
2.(هل يملك الإمام تغيير الخراج والجزية بالزيادة والنقص؟ أقوال..) وقال أبو الحسن الآمدي إنما يملك الزيادة في الجزية والخراج على أصلنا العادل من الأئمة دون من كان جائرا هذا هو ظاهر المذهب … ومن تأمل هذا القيد الذي قيد به محققو الاصحاب علم أنه لا تجوز الفتيا في كثير من هذه الأزمان المتأخرة بتغيير الخراج سدا للذريعة لأن ذلك يتطرق به كثيرا إلى الظلم والعدوان فان غالب الملوك في الأزمان المتأخرة استأثروا على المسلمين بمال الفيء وصار كثير من الأرض الخراجية املاكا للمسلمين ويؤدى عنها خراج يسير وكثير ممن هو في يده مستحق من مال الفيء فلو فتح للمستأثرين بالفيء أبواب زيادة الخراج أو انتزع هذه الأراضي لبيت المال لأدى ذلك إلى ضرر عظيم على المسلمين وقد ينزّل القول الراجح المجتهد فيه الى غيره من الأقوال المرجوحة اذا كان في الافتاء بالقول الراجح مفسده… ابن بطة كان يفتي أن الرهن أمانة فقيل له إن ناسا يعتمدون على ذلك ويجحدون الرهون فأفتى بعد ذلك بأنه مضمون.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 69)
3.الفيء عنده (أي الإمام أحمد) يتقدم فيه ذوو الحاجات بقدر حاجاتهم وأنه على حسب اجتهاد الامام العادل ولكن الامام العادل يتعذر وجوده في أغلب الأوقات فيأخذ كل مستحق منه بقدر حاجته عند الضرورة
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 89)
4.وإنما وقعت الكراهة في كلام أحمد على الحالة الأولى لأن الغالب كان في زمانه استيلاء الملوك على السواد واستقطاعه واستصفاؤه لأنفسهم وأعوانهم ولهذا كان أهل الورع الدقيق من العلماء كابن سيرين والثوري وأحمد يتشددون في قطائع الأمراء وصوافهم لأنفسهم وأعوانهم ولا يرون السكنى فيها ولا الأكل من زعرها لأنها في أيديهم كالغصب لأنها من مال الفيء وهم مستولون عليها بغير حق ولا يعطون المسلمين بخراج ولا غيره.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 9)
وللقاضي … انه يجوز عند تعذر الامام المجتهد العادل لمن عليه الخراج أن يتولى إخراجه بنفسه على مستحقيه بغير خلاف
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 116)
- عنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ: ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، عَهْدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، آمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، وَأَنْ يَفْعَلَ وَيَفْعَلَ..(الحديث)
(الخراج- يحي ابن آدم، ص 119)
6.وَهُوَ أَيْ: الْإِمَامُ وَكِيلُ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ وَلَهُمْ – أَيْ الْمُسْلِمِينَ – عَزْلُهُ إنْ سَأَلَهَا أَيْ: الْعُزْلَةَ بِمَعْنَى الْعَزْلِ …. (وَإِلَّا) يَسْأَلْ الْعَزْلَ (فَلَا) يَعْزِلُونَهُ … لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي،ج 3 ص 381 )
7.وَأَلْفَاظُهَا أَيْ: التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ… إِذَا وُجِدَ أَحَدُهَا… وَقَبِلَ مُوَلًّى… حَاضِرٌ بِالْمَجْلِسِ انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ أَوْ قَبِلَ التَّوْلِيَةَ غَائِبٌ عَنْ الْمَجْلِسِ … بَعْدَ بُلُوغِ الْوِلَايَةِ بِهِ أَوْ شَرَعَ الْغَائِبُ فِي الْعَمَلِ انْعَقَدَتْ لِدَلَالَةِ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقَبُولِ كَالْوَكَالَةِ وَالْكِنَايَةُ مِنْ أَلْفَاظِ التولية …لَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ بِهَا أَيْ الْكِنَايَةِ إلَّا بِقَرِينَةٍ … وَإِنْ قَالَ …مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي بَلَدِ كَذَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَدْ وَلَّيْته لَمْ تَنْعَقِدْ الْوِلَايَةُ لِمَنْ نَظَرَ لِجَهَالَتِهِ … كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي، ج 3 ص 461)
8.وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْمُوَلِّي … بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَزَلَ الْمُوَلِّي …الْمُوَلَّى … مَعَ صَلَاحِيَتِهِ لِلْقَضَاءِ لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا الْإِمَامُ إذْ تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ الْقَاضِيَ عَقْدٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَبْطُلْ لِزَوَالِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَهُ كَعُقْدَةِ النِّكَاحِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ … وَلِمَا فِي عَزْلٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِتَعَطُّلِ الْأَحْكَامِ وَتَوَقُّفِهَا إلَى أَنْ يُوَلَّى الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَاضِيًا فَعَزَلَ نُوَّابَهُ أَوْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَزَلُوا لِأَنَّهُمْ نُوَّابُهُ كَالْوُكَلَاءِ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَاضِيًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامُهُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ نُوَّابِهِ بِالْبُلْدَانِ فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا وَالٍ وَمُحْتَسِبٌ وَأَمِير جِهَادٍ وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ نُصِّبَ لِجِبَايَةِ مَالٍ كَخَرَاجٍ وَصَرْفِهِ إذَا وَلَّاهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِهِ وَلَا مَوْتِهِ لِأَنَّهَا عُقُودٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ… وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ إمَامٍ وَقَاضٍ وَوَالٍ وَمُحْتَسِبٍ وَنَحْوِهِمْ انْعَزَلَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ. … وَ لَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ بِعَزْلٍ قَبْلَ عِلْمِهِ لِتَعَلُّقِ قَضَايَا النَّاسِ وَأَحْكَامِهِمْ بِهِ فَيَشُقُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي، ج 3 ص 464)
9.إذَا كَانَ تَقْلِيدُ الْأَمِيرِ مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَزِيرِ انْعَزَلَ بِمَوْتِ الْوَزِيرِ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْخَلِيفَةِ نِيَابَةٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَقْلِيدَ الْوَزِيرِ نِيَابَةٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَنْعَزِلُ الْوَزِيرُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَزِلْ بِهِ الْأَمِيرُ؛ لِأَنَّ الْوَزَارَةَ نِيَابَةٌ عَنْ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَارَةَ نِيَابَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 29)
- وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْوِلَايَةُ ضَرْبَانِ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ: فَالصَّرِيحُ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ … فَإِذَا أَتَى بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ انْعَقَدَتْ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ …فَأَمَّا الْكِنَايَةُ … سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ…فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ تُضْعِفُ فِي الْوِلَايَةِ عَنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا فِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ مَا يَنْفِي عَنْهَا الِاحْتِمَالَ، فَتَصِيرُ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ … ثُمَّ تَمَامُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِ الْمُوَلِّي… وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْقَبُولِ بِالشُّرُوعِ فِي النَّظَرِ… فَإِذَا صَحَّتْ عَقْدًا وَلُزُومًا بِمَا وَصَفْنَا صَحَّ فِيهَا نَظَرُ الْمُوَلِّي وَالْمُوَلَّى كَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا اسْتِنَابَةٌ … وَإِنْ حَكَمَ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَزْلِهِ كَانَ فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ وَجْهَانِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي عُقُودِ الْوَكِيلِ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 66، ويقارن بالأحكام السلطانية لأبي يعلى ص49)
11.(في عهد عمر لأبي موسى الأشعري) فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْعَهْدِ خَلَلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: خُلُوُّهُ مِنْ لَفْظِ التَّقْلِيدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْوِلَايَةُ… قِيلَ: أَمَّا خُلُوُّهُ عَنْ لَفْظِ التَّقْلِيدِ فَفِيهِ جَوَابَانِ: أحَدُهُمَا: أَنَّ التَّقْلِيدَ تَقَدَّمَهُ لَفْظًا … وَالثَّانِي: أَنَّ أَلْفَاظَ الْعَهْدِ تَتَضَمَّنُ مَعَانِيَ التَّقْلِيدِ …فَصَارَ فَحْوَى هَذِهِ الْأَوَامِرِ مَعَ شَوَاهِدِ الْحَالِ مُغْنِيًا عَنْ لَفْظِ التَّقْلِيدِ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 69)
12.وَإِذَا قُلِّدَ قَاضِيَانِ عَلَى بَلَدٍ…(فإن ردت) إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ فِي جَمِيعِ الْبَلَدِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ، فَمَنَعَتْ مِنْهُ طَائِفَةٌ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ أَمْرُهُمَا مِنَ التَّشَاجُرِ فِي تَجَاذُبِ الْخُصُومِ إلَيْهِمَا، وَتَبْطُلُ وِلَايَتُهُمَا إنِ اجْتَمَعَتْ… وَأَجَازَتْهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ؛ لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ كَالْوَكَالَةِ
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 70)
- أرض الخراج نوعان: صلح وعنوة فأما أرض الصلح فقد سبق ذكرها وأن خراجها عند الجمهور في معنى الجزية فيسقط بالاسلام… وأما أرض العنوة فاختلفوا في خراجها فقالت طائفة هو ثمن أيضا وهو قول الحنفية الذين قالوا: إن عمر رضي الله عنه ملكهم الأرض بالخراج وقاله أيضا طائفة من الشافعية… وقالت طائفة: بل هو أجرة وهو قول من يقول: إن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين وجعل الخراج أجرة عليها… قال شريك: إنما الخراج على الذمي في أرضه بمنزلة الاجارة… ولكن عمر رضي الله عنه لم يقدر مدة الاجارة بل أطلقها وهذا يخالف أصول الاجارات واختلف أصحابنا في الجواب عن هذا فمنهم من قال المعاملة بين المسلمين والمشركين أو ما كان في حكم أملاك المشركين يغتفر فيها من الجهالة ما لا يغتفر في عقود المسلمين بينهم… وهو جواب ضعيف جدا… ومنهم من أجاب بأن عمر رضي الله عنه إنما لم يقدر المدة لما في ذلك من عموم المصلحة فاغتفر في هذا العقد.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 39 -40)
14.روي أن عمر رضي الله عنه وضع على جريب الكرم شيئا معينا من الخراج… وعلى أصل من يرى ان عمر رضي الله عنه ترك الارض فيئا للمسلمين وضرب عليها الخراج بالاجرة كما يقوله مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم فهو مشكل على أصولهم لأن من أصولهم انه لا تجوز اجارة الشجر لأخذ ثمرها… ويكون لهذا الوجه مأخذان أحدهما أن مثل هذا جاز هنا لعموم المصلحة فيه للمسلمين وان لم يجز في غيره أو لكونه معاملة في حكم أموال المشركين.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي) ص 50)
15.وأصل ذلك أن تقبل الأرض بخراجها عقد لازم من جهة الامام ما دام المتقبل قادرا على أداء خراجها وعمارتها فان عجز عن عمارتها رفعت يده عنها وكذا إن امتنع من أداء الخراج… وهو عقد جائز من جهة المتقبل فله أن يخرج من الأرض إذا شاء وقد خير عمر وعلي وغيرهما من الخلفاء رضوان الله عليهم أجمعين من أسلم على أرض خراج إن شاء أقام وإن شاء ترك أرضه للمسلمين. ولو أراد أحدهم الخروج وله ماء أو غراس في الأرض فهل يقال للامام أن يتملكه للمسلمين من مال الفيء إذا رآه أصلح كما يتملك الناظر للوقف ما غرس فيها أو بنى بالأجرة بعد انقضاء المدة؟ لا يبعد أن يجوز ذلك بل هي أولى بذلك من ناظر الوقف لوقوع الاختلاف في ملك الموقوف عليهم لرقبة الوقف وأما المسلمون فانهم يملكون رقبة أرض العنوة
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 95 – 96)
- الخراج مأخوذ بعقد معاوضة لكنه لما كان عوضا عن منفعة الأرض المستحقة للمسلمين التي هي فيء لهم صرف مصرف الفيء
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 115)
17.(الهدنة) َلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا مَحَلًّا لِذَلِكَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ. وَيَكُونُ … عَقْدُ الْهُدْنَةِ لَازِمًا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا عَزْلِهِ، بَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ إمْضَاؤُهُ لِئَلَّا يَنْقُضَ الِاجْتِهَادَ بِالِاجْتِهَادِ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 88)
- وَإِنْ شَرَطَ الْعَاقِدُ لِلْهُدْنَةِ فِيهَا شَرْطًا فَاسِدًا كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ رَدِّ النِّسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ إلَيْهِمْ بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ… دُونَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ، وَكَذَا عَقْدُ الذِّمَّةِ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 89)
19. وَإِنْ خَافَ الْإِمَامُ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ بِأَمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ جَازَ نَبْذُهُ إلَيْهِمْ… لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58]، فَيُعْلَمُ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ وُجُوبًا قَبْلَ الْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ وَالْقِتَالِ لِلْآيَةِ… وَمَتَى نَقَضَهَا… وَفِي دَارِنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ وَجَبَ رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدُّوا آمِنِينَ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 91)
- وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِمْ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ… أَقَرُّوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ (عقد الذمة) عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ أَوْ عَقْدٌ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 99)
21.وإن قال الأمير من دلني على القلعة الفلانية فله منها جارية فدله عليها رجل نظرت فإن … فتحت صلحاً نظرت فإن لم تدخل الجارية في الصلح –سلمت إليه-… فإن دخلت في الصلح ففيه وجهان أحدهما: …إن الجارية للدليل وشرطها في الصلح لا يصح كما لو زوجت امرأة من رجل ثم زوجت من آخر والثاني: أن شرطها في الصلح صحيح لأن الدليل لو عفا عنها أمضينا الصلح فيها ولو كان فاسداً لم يمض إلا بعقد مجدد فعلى هذا إن رضي الدليل بغيرها من جواري القلعة أو رضي بقيمتها أمضينا الصلح، وإن لم يرض ورضي أهل القلعة بتسليمها فكذلك وإن امتنع أهل القلعة من دفع الجارية وامتنع الدليل من الانتقال الى البدل ردوا إلى القلعة وقد زال الصلح لأنه اجتمع أمران متنافيان وتعذر الجمع بينهما وحق الدليل سابق ففسخ الصلح ولصاحب القلعة أن يحصن القلعة كما كانت من غير زيادة.
(المهذب في فقة الإمام الشافعي- الشيرازي، ج 2 ص 44)
22.وَيَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ جَعْلًا لِمَنْ يَعْمَلُ مَا فِيهِ غَنَاءٌ… وَيَسْتَحِقُّ الْجَعْلَ بِفِعْلِ مَا جُعِلَ لَهُ … كَسَائِرِ الْجِعَالَاتِ… وَإِنْ جَعَلَ لَهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ مُعَيَّنَةً … فَإِنْ فُتِّحَتْ صُلْحًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْجَارِيَةَ فَلَهُ قِيمَتُهَا إنْ رَضِيَ بِهَا… فَإِنْ أَبَى إلَّا الْجَارِيَةَ وَامْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِهَا فُسِخَ الصُّلْحُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْجَعْلِ سَابِقٌ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَعَلَى هَذَا: لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ أَنْ يُحَصِّنَهَا كَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 52)
- وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ كَالْمُسْتَأْجِرِ إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لَمْ تُقَدَّرْ لِلْحَاجَةِ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 78)
- وَيَكُونُ (الخراج) أُجْرَةً تُقَرُّ عَلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ بِمُدَّةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ عُمُومِ الْمَصْلَحَةِ
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 142 و 168)
25.(تقليد العمال) الفصل الرابع: زمان النظر، فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يقدره بمدة محصورة الشهور أو السنين، فيكون تقديرها بهذه المدة مجوزا للنظر فيها، ومانعًا من النظر بعد انقضائها، ولا يكون النظر في المدة المقيدة لازمًا من جهة المولي، وله صرفه والاستبدال به إذا رأى ذلك صلاحًا، فأمَّا لزومه من جهة العامل المولى فمعتبر بحال جاريه عليها؛ فإن كان الجارى معلومًا بما تصحّ به الأجور لزمه العمل في المدة إلى انقضائها؛ لأنَّ العمالة فيها تصير من الإجارات المحضة، ويؤخذ العامل فيها بالعمل إلى انقضائها إجبارًا. والفرق بينهما في تخيير المولى ولزومها للمولِّي أنها في جنب المولِّي من العقود العامَّة لنيابته فيها عن الكافَّة، فروعي الأصلح في التخيير، وهي في جنب المولَّى من العقود الخاصة لعقده، لها في حق نفسه، فيجري عليها حكم اللزوم، وإن لم يتقدر جاريه بما يصح في الأجور لم تلزمه المدة، وجاز له الخروج من العمل إذا شاء بعد أن ينهي إلى موليه حال تركه حتى لا يخلو عمله من ناظر فيه… والحالة الثالثة: أن يكون التقليد مطلقًا فلا يقدر بمدة ولا عمل… فهذا تقليد صحيح، وإن جهلت مدته؛ لأنَّ المقصود منه الإذن لجواز النظر، وليس المقصود منه اللزوم المعتبر في عقود الإيجارات.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 202)
26.فَصْلٌ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِمَا وَافَقَ الْحَقَّ لِضَرُورَةِ الْعَامَّةِ وَقَدْ يُنَفَّذُ التَّصَرُّفُ الْعَامُّ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ كَمَا فِي تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ الْبُغَاةِ فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا نُفِّذَتْ تَصَرُّفَاتُهُمْ وَتَوْلِيَتُهُمْ لِضَرُورَةِ الرَّعَايَا.
(قواعد الأحكام في مصالح الأنام- العز بن عبدالسلام، ج 1 ص 68)
27.وَجَازَ عَزْلُ (الإمام القاضي) لِمَصْلَحَةٍ… فَإِنْ عُزِلَ لَا لِمَصْلَحَةٍ فَالنَّقْلُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ عَقِبَهُ: قُلْت: فِي عَدَمِ نُفُوذِ عَزْلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لَغْوِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ.
(حاشية الدسوقي على الشرح الكبير- الدسوقي، ج 4 ص 137)
28.ولَيْسَ يُرَاعَى فِيمَا يُبَاشِرُهُ الْخُلَفَاءُ وَمُلُوكُ الْأُمَمِ مِنْ الْعُقُودِ الْعَامَّةِ مَا يُرَاعَى فِي الْخَاصَّةِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُؤَكِّدَةِ لِأَمْرَيْنِ: أحَدُهُمَا: إنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ الِاكْتِفَاءُ بِيَسِيرِ الْقَوْلِ عَنْ كَثِيرِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ فِيهِمْ عُرْفًا مَخْصُوصًا… وَالثَّانِي: إنَّهُمْ لِقِلَّةِ مَا يُبَاشِرُونَهُ مِنَ الْعُقُودِ تُجْعَلُ شَوَاهِدُ الْحَالِ فِي تَأَهُّبِهِمْ لَهَا مُوجِبًا لِحَمْلِ لَفْظِهِمْ الْمُجْمَلِ عَلَى الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ دُونَ الِاحْتِمَالِ الْمُجَرَّدِ
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 21 – 32)
29.وَأَمَّا إمَارَةُ الِاسْتِيلَاءِ الَّتِي تُعْقَدُ عَنْ اضْطِرَار… وَهَذَا وَإِنْ خَرَجَ عَنْ عُرْفِ التَّقْلِيدِ الْمُطْلَقِ فِي شُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ فَفِيهِ مِنْ حِفْظِ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ وَحِرَاسَةِ الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ مُخْتَلًّا مَخْذُولًا وَلَا فَاسِدًا مَعْلُولًا، فَجَازَ فِيهِ مَعَ الِاسْتِيلَاءِ وَالِاضْطِرَارِ مَا امْتَنَعَ فِي تَقْلِيدِ الِاسْتِكْفَاءِ وَالِاخْتِيَار؛ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَ شُرُوطِ الْمُكْنَةِ وَالْعَجْزِ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 31 – 32 والأحكام السلطانية- لأبي يعلى ص 21)
30.فَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ فِي الْمُتَوَلِّي شُرُوطُ الِاخْتِيَارِ جَازَ لِلْخَلِيفَةِ إظْهَارُ تَقْلِيدِهِ؛ اسْتِدْعَاءً لِطَاعَتِهِ وَحَسْمًا لِمُخَالَفَتِهِ وَمُعَانَدَتِهِ، أَوْ كَانَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ مَوْقُوفًا عَلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ لَهُ الْخَلِيفَةُ فِيهَا لِمَنْ قَدْ تَكَامَلَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا… وَجَازَ مِثْلُ هَذَا وَإِنْ شَذَّ عَنْ الْأُصُولِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّرُورَةَ تُسْقِطُ مَا أَعْوَزَ مِنْ شُرُوطِ الْمُكْنَةِ، الثَّانِي: أَنَّ مَا خِيفَ انْتِشَارُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ تُخَفَّفُ شُرُوطُهُ عَنْ شُرُوطِ الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 32)
31.(الخراج قيل) إنَّهُ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْمُقَسَّطِ الدَّائِمِ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إجَارَةٌ بِالْأُجْرَةِ الْمُقَسَّطَةِ الْمُؤَبَّدَةِ الْمُدَّةِ كَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَكِلَا الْقَائِلِينَ خَرَجَ فِي قَوْلِهِ عَنْ قِيَاسِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهَا مُعَامَلَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا ذَاتُ شَبَهٍ مِنْ الْبَيْعِ وَمِنْ الْإِجَارَةِ تُشْبِهُ فِي خُرُوجِهَا عَنْهُمَا الْمُصَالَحَةَ عَلَى مَنَافِعِ مَكَانِهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ… بِعِوَضٍ نَاجِزٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْتَأْجِرْهَا وَإِنَّمَا مَلَكَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مُؤَبَّدَةً… وَلَا بَيْعَ يَكُونُ الثَّمَنُ مُؤَبَّدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَالْمُسْتَخْرَجُ أَصْلٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَلَا يُقَاسُ بِغَيْرِهِ
(مجموع الفتاوى – ابن تيمية ج 2 ص 204 – 206)
32.ومن أصحابنا من قال (الخراج) ليس بأجرة حقيقية وإنما هو في معنى الاجرة. قال ابن عقيل في عمد الأدلة: الخراج لا يتحقق أجرة بل عقد على المصلحة والنظر للاسلام ولذلك زاد عمر رضي الله عنه عليه ولا يملك المؤجر الزيادة بغير رضاء المستأجر بالاجماع فعلم أنه لم يخرج ذلك مخرج عقود الاجارات. وقال الشيخ أبو العباس بن تيمية رحمه الله: التحقيق أن وضع الخراج معاملة قائمة بنفسها ذات شبه من البيع ومن الاجارة… فالخراج أصل ثابت بنفسه لا يقاس بغيره.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 39 – 40)
33.(عقد الأمان) وَأَمَّا صِفَتُهُ فَهُوَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، حَتَّى لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي النَّقْضِ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ مَعَ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْقِتَالِ الْمَفْرُوضِ، كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ، فَإِذَا صَارَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي النَّقْضِ نَقَضَ. وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْأَمَانُ فَالْأَمْرُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، إمَّا أَنْ كَانَ الْأَمَانُ مُطْلَقًا، وَإِمَّا أَنْ كَانَ مُؤَقَّتًا إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَانْتِقَاضُهُ يَكُونُ بِطَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: نَقْضُ الْإِمَامِ… وَالثَّانِي: أَنْ يَجِيءَ أَهْلُ الْحِصْنِ بِالْأَمَانِ فَيَنْقُضَ… وَإِنْ كَانَ الْأَمَانُ مُؤَقَّتًا إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى النَّقْضِ
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع – الكاساني ج 7 ص 107)
34.وَأَمَّا صِفَةُ عَقْدِ الْمُوَادَعَةِ، فَهُوَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ مُحْتَمِلٌ لِلنَّقْضِ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ… فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ فَاَلَّذِي يُنْتَقَضُ بِهِ نَوْعَانِ: نَصٌّ، وَدَلَالَةٌ فَالنَّصُّ، هُوَ النَّبْذُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ صَرِيحًا.. (وَأَمَّا) الدَّلَالَةُ، فَهِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّبْذِ… وَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، يَنْتَهِي الْعَهْدُ بِانْتِهَاءِ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى النَّبْذِ
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع – الكاساني ج 7 ص 109 – 110)
35.(الأرزاق والإجارات) كِلَاهُمَا بَذْلُ مَالٍ بِإِزَاءِ الْمَنَافِعِ مِنْ الْغَيْرِ غَيْرَ أَنَّ بَابَ الْأَرْزَاقِ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ وَأَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَبَابُ الْإِجَارَةِ أَبْعَدُ مِنْ بَابِ الْمُسَامَحَةِ وَأَدْخَلُ فِي بَابِ الْمُكَايَسَةِ وَيَظْهَرُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِسِتِّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقُضَاةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقَضَاءِ إجْمَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرُوا عَلَى الْقَضَاءِ إجْمَاعًا … وَيَجُوزُ فِي الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُطْلَقُ لِلْقَاضِي الدَّفْعُ وَالْقَطْعُ وَالتَّقْلِيلُ وَالتَّكْثِيرُ وَالتَّغْيِيرُ وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ وَالْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَاجِبٌ وَالْأَرْزَاقُ مَعْرُوفٌ وَصَرَفَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَعْرِضُ مَصْلَحَةٌ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ الصَّرْفُ فِيهَا وَالْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَاتِ تُورَثُ وَيَسْتَحِقُّهَا الْوَارِثُ وَيُطَالِبُ بِهَا وَالْأَرْزَاقُ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَارِثُ وَلَا يُطَالِبُ بِهَا لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ
المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ يَجُوزُ أَنْ تُنْقَلَ عَنْ جِهَاتِهَا إذَا تَعَطَّلَتْ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ … وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا أَوْ إجَارَةً لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَالْوَفَاءَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَاجِبٌ وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْإِقْطَاعَاتُ الَّتِي تُجْعَلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ … وَهِيَ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَتْ إجَارَةً لَهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا أَجَلٌ تَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِجَارَةُ …نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ…وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّنَاوُلُ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ … وَهُوَ لَوْ أَطْلَقَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إمَّا غَلَطًا مِنْ الْإِمَامِ وَإِمَّا جَوْرًا مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُطْلَقُ لَهُ بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً يَجِبُ رَدُّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ … وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَحَقَّهَا الْمَعْقُودُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الْحَالُ وَالِاجْتِهَادُ اقْتَضَى ذَلِكَ … وَكَأَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْأَجَلُ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ وَنَوْعُهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِجَارَةِ …وَإِذَا أقطَعَ الْأَمِيرُ أَوْ الْجُنْدِيُّ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ فَآجَرَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْإِمَامِ … دَفْعُ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ لِلْمُقْطِعِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْأُولَى لِلْأَوَّلِ إلَّا بِمُضِيِّ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْطَاعِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً مِنْ الْإِمَامِ لَهُ بِذَلِكَ الْإِقْطَاعِ لَاسْتَحَقَّهَا وَرَثَتُهُ وَلَتَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ .
(الفروق – القرافي ج 3 ص 3-5)
36.القاعدة الخامسة: تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي مَسْأَلَةِ صُلْحِ الْإِمَامِ عَنْ الظُّلَّةِ الْمَبْنِيَّةِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ في مَوَاضِعَ، وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ قَاتِلِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ الْقِصَاصُ، وَالصُّلْحُ، وَعَلَّلَهُ فِي الْإِيضَاحِ بِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ
(وقوله لا يصح عفوه إلى آخره لأن الحق للعامة، والإمام نائب عنهم فيما هو النظر لهم وليس من النظر اسقاط حقهم مجانا)
(الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ- ابن نُجيم، ص 145 وشرحه للحموي)
37.تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ، هَذِهِ الْقَاعِدَةُ نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ” مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ مِنْ الرَّعِيَّةِ مَنْزِلَة الْوَلِيِّ مِنْ الْيَتِيمِ ” وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَسَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْأَصْنَافِ يحَرمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ، مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ. وَمِنْهَا: إذَا أَرَادَ إسْقَاطَ بَعْضِ الْجُنْدِ مِنْ الدِّيوَان بِسَبَبٍ: جَازَ، وَبِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَجُوزُ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يُنَصِّبَ إمَامًا لِلصَّلَاةِ فَاسِقًا، وَإِنْ صَحَّحْنَا الصَّلَاةَ خَلْفَهُ ; لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. وَوَلِيُّ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِمُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي حَمْلِ النَّاس عَلَى فِعْل الْمَكْرُوهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا تُخَيِّرَ فِي الْأَسْرَى بَيْن الْقَتْل، وَالرِّقِّ، وَالْمَنّ وَالْفِدَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْمَصْلَحَةِ. حَتَّى إذَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ يَحْبِسُهُمْ إلَى أَنْ يَظْهَرَ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَإِنْ رَضِيَتْ ; لِأَنَّ حَقَّ الْكَفَاءَة لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ.
(الأشباه والنظائر- السيوطي، ص 109)
38.فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ عَزْلَ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَرَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ عَزَلَهُ لِمَا فِي إبْقَاءِ الْمُرِيبِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ … وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِيبَةً فَلَهُ أَحْوَالٌ، إحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْزِلَهُ بِمَنْ هُوَ دُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمُسْلِمِينَ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ جِهَةِ فَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَفْوِيتُ الْمَصَالِحِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ. الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْزِلَهُ بِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَيُنَفَّذُ عَزْلُهُ تَقْدِيمًا لِلْأَصْلَحِ عَلَى الصَّالِحِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. الْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْزِلَهُ بِمَنْ يُسَاوِيهِ؛ فَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّخَيُّرِ عِنْدَ تَسَاوِي الْمَصَالِحِ، وَكَمَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فِي ابْتِدَاءِ الْوِلَايَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الْعَزْلِ وَعَارِهِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الْوِلَايَةِ.
(قواعد الأحكام في مصالح الأنام- العز بن عبدالسلام، ج 1 ص 69)
- مَا لا يُنَفَّذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ… خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْوِلَايَةُ بِالْأَصَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلِقَوْلِهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ، وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَيَكُونُ الْأَئِمَّةُ وَالْوُلَاةُ مَعْزُولِينَ عَمَّا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ الْجَهْدِ، وَالْمَرْجُوحُ أَبَدًا لَيْسَ بِالْأَحْسَنِ بَلْ الْأَحْسَنُ ضِدُّهُ… وَمُقْتَضَى هَذِهِ النُّصُوصِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مَعْزُولِينَ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمُسَاوِيَةِ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَلَا مَصْلَحَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ مَا هُوَ أَحْسَنُ، وَتَكُونُ الْوِلَايَةُ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ جَلْبَ الْمَصْلَحَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ
(الفروق – القرافي ج 4 ص 39)
40.هل يتقرر خراج أرض السواد وغيره من أرض العنوة الذي وضعه عمر رضي الله عنه ولا تجوز الزيادة عليه ولا النقص منه أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على أقوال أحدها أنه يتقرر ذلك بما وضعه عمر رضي الله عنه من غير زيادة ولا نقص… والقول الثاني تجوز الزيادة عليه والنقص منه بحسب ما يرى الامام المصلحة وهذا هو المشهور عن أحمد… واستدل احمد بأن عمر رضي الله عنه إنما وضعها بحسب الطاقة … فذلك يختلف باختلاف الازمان. قال أحمد: كان عمر رضي الله عنه قد زاد عليهم وقال: ما أرى هذا يضر بهم… عن أبي عمران الجوني قال: سئل عائذ بن عمرو عن الزيادة على أهل فارس فلم ير بذلك بأسا وقال: إنما هو حق لكم.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 67)
41.واعلم أن هذه المسألة أصولية اختلف الناس فيها وهي أن ما عقده بعض الخلفاء الأربعة هل يجوز لمن بعدهم نقضه كصلح بني تغلب وخراج الجزية والرؤس؟ وفيه قولان لأصحابنا أشهرهما المنع لأنه صادف اجتهادا سائغا فلا ينقض وهذا يرجع الى أن فعل الامام كحكمه وفيه خلاف أيضا واختار ابن عقل جواز تغييره بالاجتهاد لاختلاف المصالح باختلاف الأزمنة ومن الأصحاب من استثنى من ذلك ما علم أن ما عقده لعلة فيزول بزوالها ويتغير بتغيرها كضرب عمر رضي الله عنه الخراج فانه ضربه بحسب الطاقة وهي تختلف باختلاف الأوقات ذكره الحلواني وغيره.
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 69)
42.يَبْدَأَ(القاضي) بالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ …وَإِنْ بَانَ حَبْسُهُ فِي تُهْمَةٍ أَوْ تَعْزِيرٍ … خَلَّاهُ…أَوْ أَبْقَاهُ فِي الْحَبْسِ بِقَدْرِ مَا يَرَى بِحَسْبِ اجْتِهَادِهِ ; لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ فَإِطْلَاقُهُ أَيْ: الْمَحْبُوسِ وَإِذْنُهُ أَيْ الْقَاضِي وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَ فِي نَفَقَةٍ لِيَرْجِعَ قَاضِي الدَّيْنِ وَالْمُنْفِقُ حُكْمٌ،. وإذْنُهُ فِي وَضْعِ مِيزَابٍ وَوَضْعِ بِنَاءٍ مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ بِدَرْبٍ نَافِذٍ بِلَا ضَرَرٍ حُكْمٌ، … وَإذْنُهُ فِي غَيْرِهِ كَوَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِ جَارٍ بِشَرْطِهِ حُكْمٌ، وَأَمْرُهُ … بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ حُكْمٌ … وَكَذَا نَوْعٌ مِنْ فِعْلِهِ…كَتَزْوِيجِهِ يَتِيمَةً بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِمَا يَكْفِي فِي سَلَمٍ لِقَضَاءِ دَيْنِ غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ، حَيْثُ رَآهُ وَفَسْخٍ لِعُنَّةٍ وَعَيْبٍ وَنَحْوَهُ، فَهُوَ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إنْ كَانَ … وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُهُ لِأَرْضِ الْعَنْوَةِ لِمَصْلَحَةٍ وَتَرْكُهُ لَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا عَلَى مَا فِي الْمُغْنِ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي، ج 3 ص 474)
43.فَلَوْ نَفَّذَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ وَصِيَّةَ مُوصًى إلَيْهِ أَمْضَاهَا الْقَاضِي الثَّانِي; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُنَفِّذْهَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَهْلِيَّتِهِ وَبَرَاعَتِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالٌ بِفِسْقٍ أَوْ ضَعْفٍ ضَمَّ إلَيْهِ قَوِيًّا أَمِينًا يُعِينُهُ، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ نَظَرَ الثَّانِي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَمِينًا أَقَرَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ضَعِيفًا ضَمَّ إلَيْهِ قَوِيًّا أَمِينًا، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا عَزَلَهُ وَأَقَامَ غَيْرَهُ… فَدَلَّ وُجُوبُ إمْضَاءِ الثَّانِي عَلَى مَا نَفَّذَهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَصِيَّةِ مُوصًى إلَيْهِ أَنَّ إثْبَاتَ حَاكِمٍ صِفَةً كَعَدَالَةِ وَجَرْحِ وَأَهْلِيَّةِ مُوصًى إلَيْهِ وَنَحْوَهُ كَأَهْلِيَّةِ نَاظِرِ وَقْفٍ وَحَضَانَةٍ حُكْمٌ يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ آخَرَ فَيُمْضِيه، وَلَا يَنْقُضُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحَالُ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي ، ج 3 ص 478)
44.وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ… فِي الْأَسْرَى … بَيْنَ قَتْلٍ… وَاسْتِرْقَاقٍ… وَمَنٍّ… وَفِدَاءٍ بِمُسْلِمٍ… أَوْ فِدَاءٍ بِمَالٍ …فَمَا فَعَلَهُ الْأَمِيرُ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ تَعَيَّنَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ ترك مَا فِيهِ الْحَظُّ كَوَلِيِّ الْبيَتِ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 40)
45.مَا فُتِحَ عَنْوَةً… فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَاهُ أَصْلَحَ… لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ بَيْنَ قِسْمَتِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ… وَبَيْنَ وَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ … وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا الْإِمَامُ بَعْدَ وَقْفِهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا، يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَمُعَاهَدٍ يَكُونُ أَجرة لَهَا… وَيَلْزَمُهُ… فِعْلُ الْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقِسْمَةِ أَوْ الْوَقْفِ… وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ… وَلَا تَغْيِيرُهُ… لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ اللَّازِمِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ، وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا اُسْتُؤْنِفَ فَتْحُهُ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 74)
46.وَالْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي نَقْصٍ وَزِيَادَ… لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ فِي الْمَصَالِحِ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ… وَيُعْتَبَرُ الْخَرَاجُ بِقَدْرِ مَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ الَّتِي يَضَعُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ، وَإِمَّا مَا وَضَعَهُ إمَامٌ، فَلَا يُغَيِّرُهُ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ… وَعَنْهُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَرَبَهُ أَمِيرُ الْمُومِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ… فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ … وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَ عُمَرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ… قَالَ الشَّيْخُ، وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ … سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 76)
47.وَلَهُ – أَيْ: الْإِمَامُ – إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ مُطْلَقًا- أَيْ: لَهُ أَرْبَابٌ أَوَّلًا – تَمْلِيكًا، وَلَهُ إقْطَاعُ ذَلِكَ انْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ دُونَ غَيْرِهَا. نَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزٌ… وَمَعْنَى الِانْتِفَاعِ: أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي الزَّرْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَائِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ إقْطَاعُ الِاسْتِغْلَالِ. وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إقْطَاعُ غَيْرِ الْمَوَاتِ حَيْثُ لَا أَرْبَابَ لَهُ… وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ أَرْبَابِهِ وَتَأَهُّلِهِمْ لِلْقِيَامِ؛ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُمْ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْطَعَ ذَلِكَ لِأَرْبَابِهِ ابْتِدَاءً لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا. و يَتَّجِهُ أَنَّهُ فِي إقْطَاعِ التَّمْلِيكِ يُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ – أَيْ: وَرَثَةِ الْمُقْطَعِ – وَيَكُونُ مِلْكًا لَهُمْ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ انْتِزَاعُهُ مِنْهُمْ مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَلَوْ فُقِدَتْ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا جَازَ الْإِقْطَاعُ ابْتِدَاءً؛ فَلَهُ – أَيْ: الْإِمَامِ – اسْتِرْجَاعُ مَا أَقْطَعَهُ لِاشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ ابْتِدَاءً وَاسْتِمْرَارِهِ دَوَامًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. وَلَهُ أَيْ: الْإِمَامِ – إقْطَاعُ جُلُوسٍ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ وَرِحَابٍ مُتَّسِعَةٍ غَيْرَ مَحُوطَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاحُ الْجُلُوسُ فِيهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، … وَيُسَمَّى إقْطَاعُ إرْفَاقٍ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُجْلِسَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ …وَلَا يَمْلِكُهُ مُقْطَعٌ بِالْإِقْطَاعِ…بَلْ يَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِهِ بِالْجُلُوسِ … وَشَرْطُهُ مَا لَمْ يَعُدْ الْإِمَامُ فِي إقْطَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ لَهُ اجْتِهَادًا فِي الْإِقْطَاعِ لَهُ اجْتِهَادٌ فِي اسْتِرْجَاعِهِ.
(مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى- السيوطي، ج 4 ص 195 – 196)
وَلَهُ – أَيْ: الْإِمَامِ – إذَا حَمَى مَحِلًّا نَقْضُ مَا حَمَاهُ بِاجْتِهَادِهِ… وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ فَيَجُوزُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ آخَرَ… قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ، ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشْرَّكَةِ. وَ لَا يَنْقُضُ أَحَدٌ مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ.
(مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى- السيوطي، ج 4 ص 200)
48.وَأَمَّا إجَارَةُ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ الَّتِي مَوْرِدُهَا مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ رَقَبَتِهَا فَلَا نَقْلَ فِيهَا نَعْلَمُهُ، وَكَلَامُ الْقَاضِي قَدْ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنَاطَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِلْمَنَافِعِ لُزُومَ الْعَقْدِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْطَاعِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ، وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِيهِ مُبْتَدَعًا وَقَرَّرَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَهُ لِلْجُنْدِ عِوَضًا عَنْ أَعْمَالِهِمْ فَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْإِيجَارِ عُرْفِيٌّ فَجَازَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ
(القواعد – ابن رجب، ص 198)
49.وَإذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي جُزْئِيَّةٍ لَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُهُ لِمُمَاثِلٍ لَهَا…بل إنْ تَجَدَّدَ الْمُمَاثِلُ فَالِاجْتِهَادُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ فِي مَسْأَلَةٍ بِشَيْءٍ مَانِعًا لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِخِلَافِهِ فِي نَظِيرَتِهَا نَعَمْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ إذَا رُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ النَّازِلَةُ الَّتِي حَكَمَ الْأَوَّلُ فِيهَا بِعَيْنِهَا أَنْ يَنْقُضَهَا.
بتصرف بسيط من (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير- الدسوقي، ج 4 ص 158)
- قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَصَرُّفَاتُ الْحُكَّامِ فِيهَا لَيْسَتْ بِحُكْمٍ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْحُكَّامِ تَغْيِيرُهَا وَالنَّظَرُ فِيهَا عَلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ.
وَقَدْ الْتَبَسَ أَمْرُ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ نَقْضُهُ وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرُوهُ عِشْرِينَ نَوْعًا وَهِيَ عَامَّةُ تَصَرُّفَاتِهِمْ فَيَسْلَمُ فِيهَا مِنْ الْغَلَطِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْعُقُودُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَيْتَامِ وَعَلَى مَنْ هُوَ تَحْتَ الْحَجْرِ مِنْ النِّسَاءِ وَمَنْ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَمْلَاكِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لَيْسَتْ حُكْمًا وَلِغَيْرِهِمْ النَّظَرُ فِيهَا.
فَإِنْ وَجَدَهَا بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ أَوْ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ وَجَدَ الْمَرْأَةَ مَعَ غَيْرِ كُفْءٍ فَلَهُ نَقْلُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ حُكْمًا فِي نَفْسِهَا أَلْبَتَّةَ.
النَّوْعُ الثَّانِي: إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فِي الذَّوَاتِ نَحْوُ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ … أَوْ الْجَرْحِ أَوْ أَهْلِيَّةِ الْإِمَامَةِ لِلصَّلَاةِ أَوْ أَهْلِيَّةِ الْحَضَانَةِ… جَمِيعُ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ مِمَّا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَيْسَ حُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَقْبَلَ ذَلِكَ…
النَّوْعُ الثَّالِثُ: ثُبُوتُ أَسْبَابِ الْمُطَالَبَاتِ، نَحْوُ ثُبُوتِ مِقْدَارِ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَإِثْبَاتِ الدُّيُونِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَإِثْبَاتِ النَّفَقَاتِ لِلْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَإِثْبَاتِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَنَحْوِهِ.
فَإِنَّ إثْبَاتَ الْحَاكِمِ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَيْسَ حُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ أَنْ يُغَيِّرَ مِقْدَارَ تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَتِلْكَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُطَالَبَةِ…
النَّوْعُ الثَّامِنُ: تَصَرُّفَاتُ الْحُكَّامِ بِتَعَاطِي أَسْبَابِ الِاسْتِخْلَاصِ وَوُصُولِ الْحُقُوقِ إلَى مُسْتَحَقِّيهَا مِنْ الْحَبْسِ وَالْإِطْلَاقِ وَأَخْذِ الْكُفَلَاءِ الْأَمْلِيَاءِ وَأَخْذِ الرُّهُونِ لِذَوِي الْحُقُوقِ وَتَقْدِيرِ مُدَّةِ الْحَبْسِ بِالشُّهُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَتْ لَيْسَتْ حُكْمًا لَازِمًا، وَلِغَيْرِ الْأَوَّلِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا…
النَّوْعُ الْعَاشِرُ… تَوْلِيَةُ النُّوَّابِ فِي الْأَحْكَامِ وَنَصْبُ الْكُتَّابِ وَالْقُسَّامِ وَالْمُتَرْجِمِينَ وَالْمُقَوِّمِينَ وَأُمَنَاءِ الْحُكْمِ لِلْأَيْتَامِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّابِ وَالْوَزَعَةِ وَنَصْبُ الْأُمَنَاءِ فِي أَمْوَالِ الْغُيَّابِ وَالْمَجَانِينِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ نَقْضُ ذَلِكَ وَتَبْدِيلُهُ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَالْغَرَضِ…
النَّوْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ: إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فِي الذَّوَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ كَالتَّرْشِيدِ وَإِزَالَةِ الْحَجْرِ عَنْ الْمُفْلِسِينَ … فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمٍ يَتَعَذَّرُ نَقْضُهُ، بَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَمَتَى ظَهَرَ لَهُ وَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ ضِدُّ مَا تَحَقَّقَ عِنْدَ الْأَوَّلِ نَقَضَ ذَلِكَ وَحَكَمَ بِضِدِّهِ، فَيُطْلِقُ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ وَيَحْجُرُ عَلَى مَنْ أَطْلَقَهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ صِفَةٍ لَا إنْشَاءُ حُكْمٍ…
النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ: الْإِطْلَاقَاتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَتَقْدِيرُ مَقَادِيرِهَا فِي كُلِّ عَطَاءٍ، وَالْإِطْلَاقَاتُ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ الْخُمْسِ فِي الْجِهَادِ، أَوْ الْإِطْلَاقَاتُ مِنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ الَّتِي تَحْتَ يَدِ الْحُكَّامِ عَلَى مَصَالِحِ الْأَيْتَامِ، وَالْإِطْلَاقَاتُ فِي الْأَرْزَاقِ لِلْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الصَّلَاةِ وَالْقُسَّامِ وَأَرْبَابِ الْبُيُوتِ وَالصُّلَحَاءِ، وَإِطْلَاقَاتُ الْإِقْطَاعَاتِ لِلْأَجْنَادِ وَغَيْرِهِمْ، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ حُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ بِمَا يَرَاهُ مِنْ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ.
النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: اتِّخَاذُ الْأَحْمِيَةِ مِنْ الْأَرَاضِي الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ …فَهَذَا لَيْسَ حُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ بَعْدَهُ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ الْحِمَى وَيَفْعَلَ فِي تِلْكَ الْأَرَاضِي مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ.
النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: تَأْمِيرُ الْأُمَرَاءِ عَلَى الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، فَقَدْ عَزَمَ الصَّحَابَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – عَلَى رَدِّ جَيْشِ أُسَامَةَ …
النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ: تَعْيِينُ أَحَدِ الْخِصَالِ فِي عُقُوبَةِ الْمُحَارَبِينَ، وَذَلِكَ التَّعْيِينُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، فَلَوْ رُفِعَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَرَى بِالتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا قَبْلَ التَّنْفِيذِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ تَعْيِينَ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ الْأَوَّلُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْأَوَّلِ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا.
النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: تَعْيِينُ مِقْدَارِ التَّعْزِيرَاتِ إذَا رُفِعَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ قَبْلَ التَّنْفِيذِ فَرَأَى خِلَافَ ذَلِكَ فَلَهُ تَعْيِينُ مِقْدَارِهِ وَإِبْطَالُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بَلْ اجْتِهَادٌ فِي سَبَبٍ هُوَ الْجِنَايَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ لِلثَّانِي أَنَّهَا تَقْتَضِي ذَلِكَ حَكَمَ بِمَا يَرَاهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْأَسَارَى لِلرِّقِّ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْأَسَارَى يُقْتَلُونَ فَقَطْ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ جَوَازُ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَهُوَ حُكْمٌ مِنْهُ بِاَلَّذِي اخْتَارَهُ، وَهُوَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ الْخَمْسِ الَّتِي يَخْتَارُ فِيهَا الْإِمَامُ مِنْ الْأَسْرِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَالْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، فاخْتِيَارُهُ لِخَصْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، بِخِلَافِ مَقَادِيرِ التَّعْزِيرَاتِ لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ فِيهِ أَوْ وَقَعَ مِنْهُ فِعْلٌ، فَالتَّعْزِيرُ بِحَسَبِ عِظَمِهِ وَحَقَارَتِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ لِخَصْلَةٍ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُحَارَبِينَ … فَلَيْسَ ذَلِكَ إنْشَاءَ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْقَتْلَ فِي مُحَارَبٍ لَمْ يَقْتُلْ، بَلْ عَيَّنَ الْقَتْلَ لِعِظَمِ رَأْيِهِ وَذَهَابِهِ وَأَنَّ قَتْلَهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَمْنَعُ قَتْلَ الْمُحَارَبِ إلَّا إذَا قَتَلَ وَلَا يَقْطَعُهُ إلَّا إذَا سَرَقَ، فَتَصِيرُ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْأَسْرَى، فَتَتَعَيَّنُ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ عُقُوبَةِ الْمُحَارَبِ، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، وَكَذَلِكَ تَعْيِينُ أَرْضِ الْعَنْوَةِ لِلْبَيْعِ أَوْ الْقَسْمِ أَوْ الْوَقْفِ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ.
النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْجُنَاةِ وَرَدْعِ الطُّغَاةِ إذَا لَمْ يُنَفِّذْ هُوَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ… فَإِنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْقَتْلَ وَحَكَمَ بِهِ كَانَ هَذَا إنْشَاءَ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، بِخِلَافِ قِتَالِ الْبُغَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: عَقْدُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَيْسَ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، بَلْ جَوَازُهُ عِنْدَ سَبَبِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا هُوَ الْتِزَامٌ لِكِفَايَةِ الشَّرِّ حَالَةَ الضَّعْفِ، فَلِغَيْرِهِ بَعْدَهُ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ السَّبَبُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَيُبْقِيهِ أَوْ لَا فَيَنْقُضُهُ وَيُبْطِلُهُ.
النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، لَكِنْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حُكْمًا إنْشَائِيًّا كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ الْعُقُودِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَلْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ هَذَا الْعَقْدَ مُوجِبًا لِلِاسْتِمْرَارِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ…
النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: تَقْدِيرُ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرَضِينَ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ لَيْسَ بِحُكْمٍ، إنَّمَا هُوَ تَرْتِيبُ مَا تَقْتَضِيهِ الْأَسْبَابُ الْحَاضِرَةُ، فَإِنْ ظَهَرَ لِغَيْرِهِ أَنَّ السَّبَبَ عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَقَدَهُ كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِالْبَخْسِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ.
(معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، الطرابلسي، ص 43 – 46)
- وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَأُجْرَةِ مَسْكَنٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ وَعَطَاءٍ مِنْ دِيوَانٍ لِمَصْلَحَةٍ (فِي الْمُسْتَقْبَلِ) إذَا مَاتَ مَنْ فَرَضَهُ أَوْ عُزِلَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ تَغْيِيرُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي، ج 3 ص 463)
52.الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَكَمَ فِي مَسَائِلَ خَالَفَهُ عُمَرُ فِيهَا وَلَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ، وَحَكَمَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ ثُمَّ بِالْمُشَارَكَةِ وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَقَضَى فِي الْجِدِّ قَضَايَا مُخْتَلِفَة. وَعِلَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الِاجْتِهَادُ الثَّانِي بِأَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ حُكْمٌ وَفِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَإِنَّهُ إذَا نُقِضَ هَذَا الْحُكْمُ نُقِضَ ذَلِكَ النَّقْضُ وَهَلُمَّ جَرَّا.
(الأشباه والنظائر- السيوطي، ص 91)
- مَعْنَى قَوْلِهِمْ ” الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ ” أَيْ فِي الْمَاضِي وَلَكِنْ بِغَيْرِ الْحُكْم فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِانْتِفَاءِ التَّرْجِيحِ الْآن وَلِهَذَا يُعْمَلُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فِي الْقِبْلَةِ وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى.
(الأشباه والنظائر- السيوطي، ص 93)
54.اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْقَاعِدَةِ (الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ) صُوَرٌ: الْأُولَى: لِلْإِمَامِ الْحِمَى وَلَوْ أَرَادَ مَنْ بَعْدَهُ نَقْضَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحّ لِأَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَتَغَيَّرُ وَمَنَعَ الْإِمَامُ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَ لَيْسَ مَأْخَذُ التَّجْوِيزِ هَذَا وَلَكِنَّ حِمَى الْأَوَّلِ كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ وَهِيَ الْمُتَّبَعُ فِي كُلّ عَصْرٍ.
(الأشباه والنظائر- السيوطي، ص 94)
55.فَإِذَا اسْتَقَرَّعَلَى أَخْذِهَا (قيمة الخراج) مُقَدَّرًا بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ صَارَ ذَلِكَ مُؤَبَّدًا، لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصَ مِنْهُ مَا كَانَتِ الْأَرْضُونَ عَلَى أَحْوَالِهَا فِي سَقْيِهَا وَمَصَالِحِهَا. فَإِنْ تَغَيَّرَ سَقْيُهَا وَمَصَالِحُهَا إلَى الزِّيَادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ..فلا يغير… ثانيهما: أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِمْ، فَيَكُونُ النُّقْصَانُ لِشَقٍّ انْشَقَّ أَوْ نَهْرٍ تَعَطَّلَ… فـالْخَرَاجُ سَاقِطٌ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلْ… أمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي أَحْدَثَهَا اللَّهُ تعالى فَكَأَنْهَارٍ حَفَرَهَا السَّيْلُ وَصَارَتِ الْأَرْضُ بِهَا سَائِحَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُسْقَى بِآلَةٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا عَارِضًا لَا يُوثَقُ بِدَوَامِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَرَاجِ، وَإِنْ وُثِقَ بِدَوَامِهِ رَاعَى الْإِمَامُ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِأَرْبَابِ الضِّيَاعِ وَأَهْلِ الْفَيْءِ، وَعَمِلَ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ بِمَا يَكُونُ عَدْلًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص145)
- ثمَّ زَادَ مِنْ جَوْرِ الْوُلَاةِ … مَا لَمْ يَكْفِهِمْ عَنْهُ إلَّا أَقْوَى الْأَيْدِي وَأَنْفَذُ الْأَوَامِرِ
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 74)
57.وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِنَظَرِ الْمَظَالِمِ يَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةِ أَقْسَامٍ: فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي تَعَدِّي الْوُلَاةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ… وَالثَّانِي: جَوْرُ الْعُمَّالِ فِيمَا يَجِبُونَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْقَوَانِينِ الْعَادلَةِ فِي دَوَاوِينِ الْأَئِمَّةِ، فَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُ الْعُمَّالَ بِهَا، وَيَنْظُرُ فِيمَا اسْتَزَادُوهُ، فَإِنْ رَفَعُوهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَمَرَ بِرَدِّهِ، وَإِنْ أَخَذُوهُ لِأَنْفُسِهِمُ اسْتَرْجَعَهُ لِأَرْبَابِهِ… والثَّالِثُ: كُتَّابُ الدَّوَاوِينِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثُبُوتِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا يَسْتَوْفُونَهُ لَهُ وَيُوفُونَهُ مِنْهُ… والرَّابِعُ: تَظَلُّمُ الْمُسْتَرْزِقَةِ مِنْ نَقْصِ أَرْزَاقِهِمْ أَوْ تَأَخُّرِهَا عَنْهُمْ، وَإِجْحَافِ النَّظَرِ بِهِمْ… الْخَامِسُ: رَدُّ الْغُصُوبِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: غُصُوبٌ سُلْطَانِيَّةٌ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا وُلَاةُ الْجَوْرِ… فَهَذَا إنْ عَلِمَ بِهِ وَالِي الْمَظَالِمِ عِنْدَ تَصَفُّحِ الْأُمُورِ أَمَرَ بِرَدِّهِ… الثَّانِي: مِنَ الْغُصُوبِ مَا تَغَلَّبَ عَلَيْهَا ذَوُو الْأَيْدِي الْقَوِيَّةِ … فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَرْبَابِهِ…القسم الْعَاشِرُ: النَّظَرُ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ وَالْحُكْمُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ …وَلَا يَسُوغُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إلَّا بِمَا يَحْكُمُ بِهِ الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 77 -79)
58.وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَظَرِ الْمَظَالِمِ وَنَظَرِ الْقُضَاةِ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ… الثَّانِي: أَنَّ نَظَرَ الْمَظَالِمِ يَخْرُجُ مِنْ ضِيقِ الْوُجُوبِ إلَى سِعَةِ الْجَوَازِ… وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ مِنْ …َكَشْفِ الْأَسْبَابِ بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ اللَّائِحَةِ مَا يضَيقُ عَلَى الْحُكَّامِ، فَيَصِلُ بِهِ إلَى ظُهُورِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَةِ الْمُبْطِلِ مِنَ الْمُحِقِّ… وَالْخَامِسُ: أَنَّ لَهُ مِنَ التَّأَنِّي فِي تَرْدَادِ الْخُصُومِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ أُمُورِهِمْ وَاسْتِبْهَامِ حُقُوقِهِمْ؛ لِيُمْعِنَ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَسْبَابِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ لِلْحُكَّامِ إذَا سَأَلَهُمْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فَصْلَ الْحُكْمِ، فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ الْحَاكِمُ وَيَسُوغُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ وَالِي الْمَظَالِمِ… وَالثَّامِنُ: أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ شَهَادَاتِ الْمَسْتُورِينَ مَا يَخْرُجُ عَنْ عُرْفِ الْقُضَاةِ فِي شَهَادَةِ الْمُعَدَّلِينَ. وَالتَّاسِعُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إحْلَافُ الشُّهُودِ عِنْدَ ارْتِيَابِهِ بِهِمْ … وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ. وَالْعَاشِرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِدْعَاءِ الشُّهُودِ، وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ … وَعَادَةُ الْقُضَاةِ تَكْلِيفُ الْمُدَّعِي إحْضَارَ بَيِّنَةٍ وَلَا يَسْمَعُونَهَا إلَّا بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 79 -80، و الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 63 – 64)
- وَيَقْضِي (والي المظالم) بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إمَّا مَذْهَبًا وَإِمَّا سِيَاسَةً تَقْتَضِيهَا شَوَاهِدُ الْحَالِ، فَإِنَّ لِشَوَاهِدِ الْحَالِ فِي الْمَظَالِمِ تَأْثِيرًا فِي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 84)
60. وَهُوَ أَيْ: الْقَضَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَنَّ أَمْرَ النَّاسِ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ كَالْإِمَامَةِ وَالْجِهَادِ… فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ… قَاضِيًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْإِمَامِ تَوَلِّي الْخُصُومَاتِ وَالنَّظَرِ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ بِتَوَقُّفِ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ عَلَى السَّفَرِ لِلْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْقُضَاةَ لِلْأَمْصَارِ… وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ إذَا طُلِبَ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ إذَنْ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ حُقُوقُ النَّاسِ
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي، ج 3 ص 459)
61.وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) كَرَدِّ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةِ الْمُسْلِمِينَ (فَمِنْ ذَلِكَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ، كَسَتْرِ الْعَارِي، وَإِشْبَاعِ الْجَائِعِ وَفَكِّ الْأَسْرَى عَلَى الْقَادِرِينَ عَلَيْهِ إنْ عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْهُ لِمَنْعٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَ مِنْ ذَلِكَ الصَّنَائِعُ الْمُبَاحَةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَصَالِح النَّاسِ غَالِبًا الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، كَالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ لَا يَنْتَظِمُ إلَّا بِذَلِكَ …ومِنْ ذَلِكَ إقَامَةُ الدَّعْوَى إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَدَفْعُ الشُّبَهِ بِالْحُجَّةِ وَالسَّيْفِ لِمَنْ عَانَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .وَ مِنْ ذَلِكَ سَدُّ الْبُثُوقِ…و … حَفْرُ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَكَرْيُهَا… وَعَمَلُ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ، وَالْأَسْوَارِ وَإِصْلَاحُهَا… وَإِصْلَاحُ الطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ لِعُمُومِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ. و مِنْ ذَلِكَ الْفَتْوَى وَتَعْلِيمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ…وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حِسَابٍ وَنَحْوِهِ، وَلُغَةٍ، وَنَحْوٍ، وَتَصْرِيفٍ، وَقِرَاءَاتٍ…ألخ
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 26)
62.وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ أُصُولَ الصِّنَاعَاتِ كَالْفِلَاحَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْبِنَايَةِ: فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا؛ وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَلَا تَجِبُ. وَهَذِهِ حَكَيْنَا بَيْعَهَا؛ فَإِنَّ مَنْ يُوجِبُهَا إنَّمَا يُوجِبُهَا بِالْمُعَاوَضَةِ؛ لَا تَبَرُّعًا. فَهُوَ إيجَابُ صِنَاعَةٍ بِعِوَضٍ؛ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. وَقَوْلِي عِنْدَ الْحَاجَةِ. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يَسْتَغْنُونَ عَنْ الصِّنَاعَةِ بِمَا يَجْلِبُونَهُ أَوْ يُجْلَبُ إلَيْهِمْ مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ. وَالْأَصْلُ أَنَّ إعَانَةَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالسُّكْنَى أَمْرٌ وَاجِبٌ. وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْزِمَ بِذَلِكَ وَيُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا بَلْ إيجَابُ الشَّارِعِ لِلْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ لِأَجْلِ هِدَايَةِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ: أَبْلَغُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ… وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَفْعَلُونَ هَذَا بِحُكْمِ الْعَادَاتِ وَالطِّبَاعِ وَطَاعَةِ السُّلْطَانِ غَيْرَ مُسْتَشْعِرِينَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ فِيهِ. وَلِهَذَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَعَنَاءً وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ احْتَسَبُوا أَجْرَهُ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ عَلِمُوا الْوُجُوبَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَعُدُّوهُ ظُلْمًا… كَذَلِكَ إذَا احْتَاجَ الْمُجَاهِدُونَ إلَى أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ كَصُنَّاعِ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالسِّلَاحِ وَمَصَالِحِ الْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَطُلِبَتْ مِنْهُمْ تِلْكَ الصِّنَاعَةُ بِعِوَضِهَا وَجَبَ بَذْلُهَا وَأُجْبِرُوا عَلَيْهَا… كَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُوجِبَ الْجِهَادَ عَلَى طَائِفَةٍ وَيَأْمُرَهُمْ بِالسَّفَرِ إلَى مَكَانٍ لِأَجْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْمُرَ قَوْمًا بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَيَأْمُرَ قَوْمًا بِالْوِلَايَاتِ. وَالْإِمَامُ الْعَدْلُ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَغَيْرُ الْعَدْلِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ طَاعَةٌ كَالْجِهَادِ.
( مجموع الفتاوى – ابن تيمية، ج 29 ص 195 -196)
63.الفيء …يصرف في مصالح أهل الإسلام وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الدَّارِ الَّتِي بِهَا حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ فَيَبْدَأُ بِجُنْدِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْهُمْ ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ عِمَارَةِ الثُّغُورِ بِمَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ… وَكِفَايَةِ أَهْلِهَا…وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ …ثُمَّ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ سَدِّ الْبُثُوقِ … وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ … وَعَمَلُ الْقَنَاطِرِ ..وَ إصْلَاحُ الطَّرِيقِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَكُلُّ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 79)
(مجموع الفتاوى – ابن تيمية ج 28 ص 286 السياسة الشرعية)
64.والضرب الثاني: أن يكون مصرفه مستحقًّا على وجه المصلحة والأرفاق دون البدل، فاستحقاقه معتبر بالوجود دون العدم، فإن كان موجودًا في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه عن المسلمين، وإن كان معلومًا سقط وجوبه عن بيت المال، وكان إن عمَّ ضرره من فروض الكفاية على كافة المسلمين حتى يقوم به منهم من فيه كفاية كالجهاد، وإن كان مما لا يعم ضرره كوعورة طريق قريب يجد الناس طريقًا غيره بعيدًا، أو انقطاع شرب يجد الناس غيره شربًا، فإذا سقط وجوبه عن بيت المال بالعدم سقط وجوبه عن الكفاية لوجود البدل، فلو اجتمع على بيت المال حقَّان ضاق عنهما واتسع لأحدهما صرف فيما يصير منهما دينًا فيه، فلو ضاق عن كل واحد منهما جاز لولي الأمر إذا خاف الفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه في الديون دون الارتفاق، وكان من حدث بعده من الولاة مأخوذًا بقضائه إذا اتسع له بيت المال. وإذا فضلت حقوق بيت المال عن مصرفها فقد اختلف الفقهاء في فاضله، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يدخر في بيت المال لما ينوب المسلمين من حادث. وذهب الشافعي إلى أنه يقبض على أموال من يعمّ به صلاح المسلمين ولا يدخر؛ لأن النوائب يتعين فرضها عليهم إذا حدثت.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 207)
- إبْرَاهِيمَ اللَّخْمِيِّ الشَّاطِبِيِّ …وَكَانَ .. مِمَّنْ يَرَى جَوَازَ ضَرْبِ الْخَرَاجِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ ضَعْفِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ لِضَعْفِ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ النَّاسِ كَمَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ الْمَالِقِيِّ فِي كِتَابِ الْوَرَعِ قَالَ: تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَلَا شَكَّ عِنْدَنَا فِي جَوَازِهِ وَظُهُورِ مَصْلَحَتِهِ فِي بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِنَا الْآنَ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ وَضَعْفِ بَيْتِ الْمَالِ الْآنَ عَنْهُ فَهَذَا يَقْطَعُ بِجَوَازِهِ الْآنَ فِي الْأَنْدَلُسِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ … كَانَ خَرَاجُ بِنَاءِ السُّوَرِ فِي بَعْضِ مَوَاضِعِ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِهِ مُوَظَّفًا عَلَى أَهْلِ الْمَوْضِعِ فَسُئِلَ عَنْهُ إمَامُ الْوَقْتِ فِي الْفُتْيَا … أَبُو سَعِيدٍ بْنِ لُبٍّ فَأَفْتَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَسُوغُ وَأَفْتَى صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ بِسَوْغِهِ مُسْتَنِدًا فِيهِ إلَى الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ مُعْتَمِدًا فِي ذَلِكَ إلَى قِيَامِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي إنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا النَّاسُ فَيُعْطُونَهَا مِنْ عِنْدِهِمْ ضَاعَتْ
(تهذيب الفروق- محمد بن علي بن حسين المالكي ج 1 ص 141 – 142)
- ولا يجوز ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو تولية من فوض إليه الإمام لأنه من المصالح العظام فلا يجوز إلا من جهة الإمام
(المهذب في فقة الإمام الشافعي- الشيرازي، ج 2 ص 290)
- وَشُرِطَ لِصِحَّتِهَا أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ كَوْنُهَا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ أَيْ: الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَا يُفْتَاتُ عَلَيْه
(شرح منتهى الإرادات- البهوتي الحنبلي، ج 3 ص 460)
68.وَرَأَيْتُ أَنْ لَا تَقْبَلَ شَيْئًا مِنَ السَّوَادِ وَلا غَيْرِ السَّوَادِ مِنَ الْبِلادِ؛ فَإِنَّ الْمُتَقَبِّلَ إِذَا كَانَ فِي قِبَالَتِهِ فَضْلٌ عَنِ الْخَرَاجِ عَسَفَ أَهْلُ الْخَرَاجِ وَحَمَّلَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ وَأَخَذَهُمْ بِمَا يُجْحِفُ بِهِمْ لِيَسْلَمَ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ. وَفِي ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ خَرَابُ الْبِلادِ وَهَلاكُ الرَّعِيَّةِ. وَالْمُتَقَبِّلُ لَا يُبَالِي بِهَلاكِهِمْ بِصَلاحِ أَمْرِهِ فِي قِبَالَتِهِ؛ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَفْضِلَ بَعْدَ مَا يَتَقَبَّلُ بِهِ فَضْلا كَثِيرًا، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إِلا بِشِدَّةٍ مِنْهُ عَلَى الرَّعِيَّةِ … وَعَذَابٌ عَظِيمٌ يَنَالُ أَهْلَ الْخَرَاجِ مِمَّا لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي نَهَى الله عَنهُ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ، وَلَيْسَ يَحِلُّ أَنْ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ؛ وَإِنَّمَا أكره الْقِبَالَةَ لأَنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَحْمِلَ هَذَا الْمُتَقَبِّلُ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ مَا لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَيُعَامِلَهُمْ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ … وَإِنْ جَاءَ أَهْلُ طُسُوجٍ أَوْ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ وَمَعَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ مُوسِرٌ؛ فَقَالَ: أَنا أتضمن عَن أهل هَذَا بَيْتِ الْمَالِ؛ فَإِنْ أَرَادَ ظُلْمَ أحد من أهل الْخَرَاجِ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ تَحْمِيلَهُ شَيْئًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَنَعَهُ الأَمِيرُ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ. وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَى عَيْنًا بِمَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا رَأَى أَنَّهُ أَصْلَحُ لأَهْلِ الْخَرَاجِ وَأَوْفَرُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَبَّالَةِ وَالْوِلايَةِ بَعْدَ الأَعْذَارِ وَالتَّقَدُّمِ إِلَى الْمُتَقَبِّلِ وَالْوَالِي بِرَفْعِ الظُّلْمِ عَنِ الرَّعِيَّةِ وَالْوَعِيدِ لَهُ إِنْ حَمَّلَهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، أَوْ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنْ فَعَلَ وفوا لَهُ بِمَا أُوعِدَ بِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ زَاجِرًا وَنَاهِيًا لِغَيْرِهِ
(الخراج- أبو يوسف، ص 105 – 106، الطبعة السلفية 1352 )
69.أَمَّا تَضْمِينُ الْعُمَّالِ لِأَمْوَالِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فَبَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُؤْتَمَنٌ يَسْتَوْفِي مَا وَجَبَ، وَيُؤَدِّي مَا حَصَلَ… وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ فِي تَمَلُّكِ مَا زَادَ وَغُرْمِ مَا نَقَصَ، وَهَذَا مُنَافٍ لِوَضْعِ الْعِمَالَةِ وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ فَبَطَلَ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ الْعَبَّاسِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَتَقَبَّلُ مِنْهُ الْأُبُلَّةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَصَلَبَهُ حَيًّا تَعْزِيرًا وَأَدَبًا. .
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 170)
70.وَمَا جَبَى مِنْ الْخَرَاجِ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَيْتُ مَالِهِمْ وَالسُّلْطَانُ نَاظِرٌ، وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.وَأَمَّا الْمُلْتَزِمُونَ فَلَيْسَ لَهُمْ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا إذْ لَيْسُوا بِنُوَّابٍ لِلسُّلْطَانِ، وَلَا لِنَائِبِهِ، وَإِنَّمَا هُمْ جُبَاةٌ مَضْرُوبٌ عَلَى أَيْدِيهِمْ كَالْجَابِي فِي الزَّكَاةِ … كَذَلِكَ الْمُلْتَزِمُ أَيْ الَّذِي الْتَزَمَ لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِنَائِبِهِ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ خَرَاجَ الْبَلَدِ الْفُلَانِيَّةِ، وَلَهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مَا يُسَمُّونَهُ الْفَائِضَ أُجْرَةً ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَائِضَ إنْ كَانَ جَعَلَهُ السَّلَاطِينُ الْمَاضُونَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَرَاجِ بِرِضَاهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُلْتَزِمِ، وَإِلَّا فَهُوَ سُحْتٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْفَلَّاحِينَ لَا يُقَالُ الْمُلْتَزِمُ قَدْ اسْتَأْجَرَ الْبَلَدَ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِلْفَلَّاحِينَ بِمَا شَاءَ … لِأَنَّا نَقُولُ كَذَا ظَنَّ بَعْضُ الْحَمْقَى الْأَغْبِيَاءِ فَأَفْتَوْهُمْ بِمَا لَمْ يُنَزِّلْ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا فَإِنَّمَا الْمَالُ الَّذِي يَدْفَعَهُ الْمُلْتَزِمُ … لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِنَائِبِهِ فِي نَظِيرِ وَضْعِ الْيَدِ وَالتَّقْرِيرِ الْمُسَمَّى دَالَّةً بِالتَّقْسِيطِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ مَاتَ جُنْدِيٌّ عَنْ علُوفَةِ فَيَدْفَعُ رَجُلٌ لِلسُّلْطَانِ مَالًا لِيُقَرِّرَهُ مَكَانَهُ فِي قَبْضِ الْعلُوفَةِ لِنَفْسِهِ كَذَلِكَ الْمُلْتَزِمُ دَفعَ مَالٍ لِلسُّلْطَانِ لِيُمَكِّنَهُ عَلَى الْجِبَايَةِ لِيَأْخُذَ الْفَائِضَ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ هَذَا بِإِجَارَةٍ وَلَا بَيْعٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْبَدَاهَةِ إذْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ فِي زَمَنٍ مَعْلُومٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَلَا يُقَالُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ كُلَّ سَنَةٍ يَكْتُبُ تَقْرِيرًا وَتَقْسِيطًا لِلْمُلْتَزِمِ بِصُورَةِ إجَارَةٍ وَيَدْفَعُ الْمُلْتَزِمُ لِلسُّلْطَانِ الْخَرَاجَ الْمُسَمَّى بِالْمَيْرَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمِيرَى لَيْسَ مَالًا لِلْمُلْتَزِمِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَرَاجٌ قَدْ فَرَضَهُ السَّلَاطِينُ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى الْمُزَارِعِينَ لِيَدْفَعُوهُ لِلنَّاظِرِ الْمُتَوَلِّي أَمْرَ الْمَصَالِحِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَنَاظِرٍ عَلَى وَقْفِ عَيْنٍ جَابِيًا عَلَى جَمْعِ مَالِ الْوَاقِفِ لِيَصْرِفَهُ النَّاظِرُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَكُلُّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الزِّرَاعَةِ وَقْفٌ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قُرَى مِصْرَ فُتِحَتْ صُلْحًا فَظَاهِرٌ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لَا تَصَرُّفَ لَهُ وَقَدْ أَفْتَاهُمْ مَنْ اتَّبَعَ وَهْمَهُ أَنَّ لَهُمْ التَّصَرُّفَ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّ لَهُمْ التَّمْكِينَ وَالنَّزْعَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ حَتَّى قَالُوا لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مَا شَاءَ، وَلَوْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، وَالْفَلَاحُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى فَيَزْرَعَ، وَأَنْ يَتْرُكَ وَاشْتُهِرَتْ هَذِهِ الْفَتْوَى الْبَاطِلَةُ ضَرُورَةً بِمِصْرَ حَتَّى صَالَ الْأُمَرَاءُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَيَقُولُ الظَّالِمُ بَلَدِي اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِي أَفْعَلُ فِيهَا وَفِي الْفَلَّاحِينَ مَا شِئْتُ كَمَا أَفْتَانِي بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَوْ صَارَ الْمَفْتُونُ يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَزَادُوا أَنْ قَالُوا لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ مُلْتَزِمَانِ وَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ فَلِلثَّانِي الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلُوهُ شَرِيكًا مَالِكًا، وَأَنَّ هَذَا الْإِسْقَاطَ بَيْعٌ، وَأَنَّ شَرِيكَهُ يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَة
(الشرح الكبير – للشيخ الدردير ، ج 4 ، ص 52 – 53 )
71.وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الِالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ وَغَيْرِهَا هَلْ هُوَ مِنْ الْإِقْطَاعِ فَلِلْمُلْتَزِمِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مَا شَاءَ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَنْ سَبَقَ، أَوْ لَيْسَ مِنْ الْإِقْطَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُلْتَزِمُ جَابٍ لِمَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ وَلَا تَنْقِيصٌ لِمَا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ السُّلْطَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ … وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي شَيْءٍ كَمَا يَزْعُمُونَ
(الشرح الكبير – للشيخ الدردير ، ج 4 ، ص 52 – 53 )
- وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا مُبَاحًا لِيَبِيعَ فِيهِ وَحْدَهُ، وَيَشْتَرِي فِيهِ وَحْدَهُ؛ كُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ؛ لِبَيْعِهِ بِفَرْقِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَشِرَائِهِ بِدُونِهِ؛ كَمَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِلَا حَاجَةٍ مِنْ مُضْطَرٍّ وَمُحْتَاجٍ لِنَقْدٍ ، لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ…وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ أَيْ: الَّذِي ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِيهِ وَحْدَهُ أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ مُثْمنٍ بِلَا حَقٍّ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي ” الْفُرُوعِ “. وَيَتَّجِهُ هَذَا أَيْ: تَحْرِيمُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ (إنْ لَزِمَتْ) بِإِلْزَامِ السُّلْطَانِ الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ». وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى- السيوطي، ج 3 ص 65)
73.وَسُئِلَ – رَحِمَهُ اللَّهُ:عَمَّنْ ضَمِنَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ لَا يُبَاعَ صِنْفٌ مِنْ الْأَصْنَافِ إلَّا مِنْ عِنْدِهِ وَذَلِكَ الصِّنْفُ لَا يُوجَدُ إلَّا عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ… فَهَلْ يَجُوزُ الِابْتِيَاعُ مِنْ هَذَا الْمُحْتَكِرِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا هُوَ نَفْسُهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةٍ أَنَّهُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْحَلَالِ. وَمِنْ جِهَةٍ أَنَّهُ يَضْطَرُّ النَّاسُ إلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ حَتَّى يَشْتَرُوا مَا يُرِيدُ فَيَظْلِمُهُمْ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ.
(مجموع الفتاوى- ابن تيمية، ج 29 ص 65)
74.وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السِّعْرَ مِنْهُ مَا هُوَ ظُلْمٌ لَا يَجُوزُ وَمِنْهُ مَا هُوَ عَدْلٌ جَائِزٌ فَإِذَا تَضَمَّنَ ظُلْمَ النَّاسِ وَإِكْرَاهَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنِ لَا يَرْضَوْنَهُ؛ أَوْ مَنَعَهُمْ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُمْ: فَهُوَ حَرَامٌ. وَإِذَا تَضَمَّنَ الْعَدْلَ بَيْنَ النَّاسِ مِثْلَ إكْرَاهِهِمْ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ؛ وَمَنَعَهُمْ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَخْذِ زِيَادَةٍ عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ: فَهُوَ جَائِزٌ؛ بَلْ وَاجِبٌ …. وَأَمَّا الثَّانِي فَمِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ أَرْبَابُ السِّلَعِ مِنْ بَيْعِهَا مَعَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهَا إلَّا بِزِيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَيْعُهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ وَلَا مَعْنَى لِلتَّسْعِيرِ إلَّا إلْزَامَهُمْ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَلْتَزِمُوا بِمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ بِهِ.
(مجموع الفتاوى- ابن تيمية، ج 28 ص 76 – 78)
وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَدْ الْتَزَمُوا أَلَّا يَبِيعَ الطَّعَامَ أَوْ غَيْرَهُ إلَّا أُنَاسٌ مَعْرُوفُونَ لَا تُبَاعُ تِلْكَ السِّلَعُ إلَّا لَهُمْ؛ ثُمَّ يَبِيعُونَهَا هُمْ؛ فَلَوْ بَاعَ غَيْرُهُمْ ذَلِكَ مُنِعَ إمَّا ظُلْمًا لِوَظِيفَةِ تُؤْخَذُ مِنْ الْبَائِعِ؛ أَوْ غَيْرَ ظُلْمٍ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ فَهَهُنَا يَجِبُ التَّسْعِيرُ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ لَا يَبِيعُونَ إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ وَلَا يَشْتَرُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ بِلَا تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ مَنَعَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ النَّوْعَ أَوْ يَشْتَرِيَهُ: فَلَوْ سُوِّغَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بِمَا اخْتَارُوا أَوْ اشْتَرَوْا بِمَا اخْتَارُوا كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا لِلْخَلْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: ظُلْمًا لِلْبَائِعِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بَيْعَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ؛ وَظُلْمًا لِلْمُشْتَرِينَ مِنْهُمْ. وَالْوَاجِبُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ جَمِيعِ الظُّلْمِ أَنْ يَدْفَعَ الْمُمْكِنَ مِنْهُ فَالتَّسْعِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاجِبٌ بِلَا نِزَاعٍ وَحَقِيقَتُهُ: إلْزَامُهُمْ أَلَّا يَبِيعُوا أَوْ لَا يَشْتَرُوا إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ. وَهَذَا وَاجِبٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحَقِّ..يجوز الاكراه على البيع بحق.
(الطرق الحكمية- ابن قيم الجوزية، ص 244 – 245)
وَنَظِيرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْجُرُونَ فِي الطَّعَامِ بِالطَّحْنِ وَالْخُبْزِ. وَنَظِيرُ هَؤُلَاءِ صَاحِبُ الْخَانِ والقيسارية وَالْحَمَّامُ إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ وَهُوَ إنَّمَا ضَمِنَهَا لِيَتَّجِرَ فِيهَا فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إدْخَالِ النَّاسِ إلَّا بِمَا شَاءَ وَهُمْ محْتَاجُونَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَأُلْزِمَ بِبَذْلِ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ كَمَا يُلْزَمُ الَّذِي يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ وَيَطْحَنُهَا لِيَتَّجِرَ فِيهَا وَاَلَّذِي يَشْتَرِي الدَّقِيقَ وَيَخْبِزُهُ لِيَتَّجِرَ فِيهِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى مَا عِنْدَهُ؛ بَلْ إلْزَامُهُ بِبَيْعِ ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْلَى وَأَحْرَى بَلْ إذَا امْتَنَعَ مِنْ صَنْعَةِ الْخُبْزِ وَالطَّحْنِ حَتَّى يَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِذَلِكَ أُلْزِمَ بِصَنْعَتِهَا … وَإِذَا كَانَتْ حَاجَةُ النَّاسِ تَنْدَفِعُ إذَا عَمِلُوا مَا يَكْفِي النَّاسَ بِحَيْثُ يَشْتَرِي إذْ ذَاكَ بِالثَّمَنِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَسْعِيرٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَاجَةُ النَّاسِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ الْعَادِلِ سَعَّرَ عَلَيْهِمْ تَسْعِيرَ عَدْلٍ؛ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ.
(مجموع الفتاوى- ابن تيمية، ج 28 ص 104 – 105)
وَأَيْضًا: فَإِذَا كَانَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَشْتَرِي نَوْعًا مِنْ السِّلَعِ أَوْ تَبِيعُهَا: قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ يَهْضِمُوا مَا يَشْتَرُونَهُ، فَيَشْتَرُوهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَبِيعُوا مَا يَبِيعُونَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَقْتَسِمُوا مَا يَشْتَرِكُونَ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ: كَانَ إقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُعَاوَنَةً لَهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ إثْمًا وَعُدْوَانًا مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَمِنْ النَّجْشِ.
(الطرق الحكمية- ابن قيم الجوزية، ص 247)
والمقريزي يسجل لنا في عبارة واضحة الطريقة التي كان يفرض بها الخراج في مصر في ذلك الوقت، ويُفهم أن ذلك كان في النصف الأول من القرن الثالث قبل مجيء ابن طولون فيقول: ” وكان من خبر أراضي مصر بعد نزول العرب بأريافها…أن متولي خراج مصر كان يجلس في جامع عمرو بن العاص من الفسطاط في الوقت التي تتهيأ فيه قبالة الأراضي وقد أجتمع الناس من القرى والمدن، فيقوم رجل ينادي على البلاد صفقات صفقات، وكتّاب الخراج ، بين يدي متولي الخراج، يكتبون ما ينتهي إليه مبالغ الكور والصفقات على من يتقبلها من الناس، وكانت البلاد يتقبلها متقبلوها بالأربع سنين لأجل الظمأ والاستبحار وغير ذلك، فإذا انقضى هذا الأمر، خرج كل من تقبل أرضا وضمها إلى ناحية فيتولى زراعتها وإصلاح جسورها وسائر وجوه أعمالها. وتَحمّل ما عليه من الخراج في إبانة على أقساط وتحسب له من مبلغ قبالته وضمانه لتلك الأراضي ما ينفقه على عمارة جسورها وسد ترعها وحفر خلجانها بضرابة مقدرة في ديوان الخراج، ولم يزل ذلك يعمل في جامع عمرو بن العاص إلى أن عَمّر أحمد بن طولون جامعه”
(الخراج في الدولة الإسلامية – محمد ضياء الدين الريس، ص 485 – 486)
75.لما بنى معز الدوله دوره ببغداد ضَمَّنَ القضاء لأبي العباس بن أبي الشوارب بمبلغ مائتي ألف درهم سنويا، وهذه لأول مرة ضمّن القضاء فيها، وكان ذلك أيام سلطة معز الدولة ولم يُسمع بذلك من قبله فغضب الخليفة المطيع لله على قاضي القضاة المذكور فلم يأذن له بالدخول عليه، وأمر بأن لا يحضر الموكب لما ارتكبه من ضمان القضاء، ثم ضُمنت بعده الحسبة والشرطة ببغداد.
(الحسبة – عبدالرزاق الحصان 1375، ص 193)
76.التقبل وهو أن يجعل شخص قبيلا: أي كفيلا بتحصيل الخراج وأخذه لنفسه، مقابل قدر معلوم يدفعه – وهو ما عُرِف فيما بعد باسم نظام الالتزام – فيستفيد السلطان تعجيل المال ويستفيد المتقبل الفرق بين ما دفعه وما حصله، وقد وردت إشارة في عهد هشام، إذ أن فروخ أبا المثنى كان “يتقبل” أراضي هذا الخليفة، ثم زاد عليه حسان النبطي ألف ألف درهم فسلّمت الأرض إليه.
(الخراج في الدولة الإسلامية – محمد ضياء الدين الريس، ص 250)
77.نظام التقبل أو الضمان أخذ ينتشر بالتدريج في العصر العباسي…أن أبا جعفر المنصور كتب إلى نوفل بن الفرات – عامل خراج مصر في سنة 141- أن يعرض على محمد بن الأشعب ضمان خراج مصر فإن ضمنه يشهد عليه ويعود هو إلى الخليفة، وإلا فيظل في عمله. وإن كان أبن الأشعب لم يقبل. ولكن في عهد الرشيد رفع محفوظ بن سليمان … أنه يضمن خراج مصر عن آخره، بغير سوط ولا عصا، فولاه الرشيد الخراج… ويظهر أنه في القرن الثالث قد أصبح هو النظام السائد، فيروي ابن خرداذبة عن الفضل بن مروان أنه “قبل” الأهواز بتسعة وأربعين ألف ألف درهم وكان عطاء خرسان وأعمالها إلى “آل طاهر” في القرن الثالث بطريق الضمان أيضا، لأنهم كانوا ملتزمين بتوريد خراج معين 44 مليون درهم .
(الخراج في الدولة الإسلامية – محمد ضياء الدين الريس، ص 485)
78.وبعد أن كان الإلتزام على الخراج، بمعنى أن تعهد الدولة بالخراج إلى أشخاص يجبونه على أن يؤدوا لبيت المال مبلغا معينا، تعدى هذا النظام إلى القضاء على أن يؤدى لبيت المال أيضا مقابل ما يجبيه من رسوم القضايا، وقد التزم عبدالله بن الحسن بن أبي الشوارب لمعز الدولة بن بويه على 200,000 درهم في السنة عن قضاء بغداد ولكن الخليفة المطيع لم يوافق على تقليد هذا القاضي.
(التاريخ الاسلامي العام – د.علي إبراهيم حسن، ص 563)
79.وَأَمَّا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ … فَلَا مِلْكَ لِأَحَدٍ …ولَيْسَ لِأَحَدٍ حَقٌّ خَاصٌّ فِيهَا وَلَا فِي الشِّرْبِ بَلْ هُوَ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَذِهِ الْأَنْهَارِ بِالشَّفَةِ وَالسَّقْيِ وَشَقِّ النَّهْرِ مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ … وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِأَحَدٍ مَنْعُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ … لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِصَاصُ بِهَا لِأَحَدٍ فَكَانَ النَّاسُ فِيهَا كُلُّهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بِسَبِيلٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَكِنْ بِشَرِيطَةِ عَدَمِ الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِطَرِيقِ الْعَامَّةِ وَإِنْ أَضَرَّ بِالنَّهْرِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِمْ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع- الكاساني الحنفي، ج 7 ص 192 )
80. فَلَا يَكُونُ دَاخِلَ الْبَلَدِ مَوَاتٌ أَصْلًا، وَكَذَا مَا كَانَ خَارِجَ الْبَلْدَةِ مِنْ مَرَافِقِهَا … لَا يَكُونُ مَوَاتًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِمَامُ إقْطَاعَهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَرَافِقِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَهُوَ حَقُّ أَهْلِ الْبَلْدَةِ كَفِنَاءِ دَارِهِمْ وَفِي الْإِقْطَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ. وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِّ وَالنِّفْطِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْمُسْلِمُونَ لَا تَكُونُ أَرْضَ مَوَاتٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهَا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِقْطَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَهَذَا لَا يَجُوزُ … فَالْإِمَامُ يَمْلِكُ إقْطَاعَ الْمَوَاتِ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى عِمَارَةِ الْبِلَادِ، التَّصَرُّفُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِمَامِ كَكَرْيِ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ وَإِصْلَاحِ قَنَاطِرِهَا وَنَحْوِهِ.
(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع- الكاساني الحنفي، ج 6 ص 194)
81.وَكُلُّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهَي لَهُ إِذَا أَجَازَهُ الإِمَامُ، وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَلَيْسَتْ لَهُ، وَلِلإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَيَصْنَعَ فِيهَا مَا رأى من الْإِجَازَة وَالإِقْطَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. …حُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: الإِحْيَاءُ لَا يَكُونُ إِلا بِإِذْنِ الإِمَام. أَرَأَيْت رجلَيْنِ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْتَارَ مَوْضِعًا وَاحِدًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَعَ صَاحِبَهُ، أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِهِ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُحْيِيَ أَرْضًا مَيْتَةً بِفِنَاءِ رَجُلٍ وَهُوَ مقرّ أَن لَا حق لَهُ فيِهَا فَقَالَ: لَا تُحْيِهَا فَإِنَّهَا بِفِنَائِي؛ وَذَلِكَ يَضُرُّنِي. فَإِنَّمَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِك هَهُنَا فَصْلا بَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ لإِنْسَانٍ كَانَ لَهُ أَن يُحْيِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الإِذْنُ جَائِزًا مُسْتَقِيمًا. وَإِذَا مَنَعَ الإِمَامُ أَحَدًا كَانَ ذَلِكَ الْمَنْعُ جَائِزًا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ النَّاسِ التَّشَاحُّ فِي الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ وَلا الضِّرَارُ فِيهِ مَعَ إِذْنِ الإِمَامِ وَمَنْعِهِ. قال أَبُو يُوسُف: أَمَّا أَنَا فَأَرَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا لأَحَدٍ فِيهِ خُصُومَةٌ أَنَّ إِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِذَا جَاءَ الضَّرَرُ؛ فَهُوَ عَلَى الْحَدِيثِ “وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ”.
(الخراج- أبو يوسف، ص 64)
82.وأما إقطاع المعادن، وهي البقاع التي أودعها الله تعالى جواهر الأرض، فهي ضربان: ظاهرة وباطنة .فأمَّا الظاهرة: فهي ما كان جوهرها المستودع فيها بارزًا -كمعادن الكحل، والملح، والقار، والنفط، وهو كالماء الذي لا يجوز إقطاعه، والناس فيه سواء، يأخذه من ورد إليه، روى ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده أنَّ الأبيض بن حَمَّال … فإن أقطعت هذه المعادن الظاهرة لم يكن لإقطاعها حكم، وكان المقطع وغيره فيها سواء… وأمَّا المعادن الباطنة: فهي ما كان جوهرها مستكنًا فيها لا يوصل إليه إلَّا بالعمل؛ كمعادن الذهب والفضة والصفر والحديد، فهذه… في جواز إقطاعها قولان: أحدهما: لا يجوز كالمعادن الظاهرة، وكل الناس فيها شرع. والقول الثاني: يجوز إقطاعها…(للحديث)…(أن) رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يقطعه حق مسلم”.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 190)
83.وَلَا يَمْلِكُ إنْسَانٌ مَا أَحْيَاهُ مِنْ مَعْدِنٍ مُطْلَقًا ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا بِإِحْيَائِهِ لَهُ مُفْرَدًا عَنْ غَيْرِهِ، أَمَّا الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ يَنْتَابُهُ النَّاسُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ كَمَقْطَعِ الطِّينِ وَالْمِلْحِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالنَّفْطِ وَالْبِرَامِ وَالْيَاقُوتِ؛ فَبِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَقْطَعَ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ مَعْدِنَ الْمِلْحِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعَدِّ؛ رَدَّهُ»…وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ؛ فَلَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ وَلَا إقْطَاعُهُ؛ كَمَشَارِعِ الْمَاءِ وَطُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْ مَوَادِّ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَفَيْضِ جُودِهِ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ، فَلَوْ مَلَكَهُ أَحَدٌ بِالِاحْتِجَارِ مَلَكَ مَنْعَهُ، فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهُ أَغْلَاهُ، فَخَرَجَ عَنْ الْوَضْعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَعْمِيمِ ذَوِي الْحَوَائِجِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ. قَالَ فِي “الْمُغْنِي”: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْبَاطِنُ وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى حَفْرٍ وَمُؤْنَةٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ؛ فَلَا يَمْلِك بِإِحْيَائِهِ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ هُوَ الْعِمَارَةُ الَّتِي يَتَهَيَّأُ بِهَا الْمُحْيِي لِلِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ عَمَلٍ، وَهَذَا حَفْرٌ وَتَخْرِيجٌ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ عِنْدَ كُلِّ انْتِفَاعٍ.
(مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى- السيوطي، ج 4 ص 183)
- وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ وَيُقْطَعُ … مَحِلُّ إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِحْدَاثِهِ، بَلْ يَحْدُثُ نَفْعُهُ بِفِعْلِهِ بِالْعَمَلِ فِيهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَبَقِيَّةِ الْمَوَاتِ
(مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى- السيوطي، ج 4 ص 183)
وَإِنْ ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَا مِنْ مَوَاتٍ عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ ظَهَرَ مَعْدِنٌ جَارٍ، وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ عِوَضُهُ كَنَفْطٍ وَقَارٍ أَوْ ظَهَرَ فِيهِ كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ خَارِجٌ مِنْ أَرْضِهِ، أَشْبَهَ الْمَعَادِنَ الْجَامِدَةَ وَالزَّرْعَ … وَلَا يَمْلِكُهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَزَادَ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ؛ فَلَمْ تُمْلَكْ بِمِلْكِهَا كَالْكَنْزِ
(مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى- السيوطي، ج 4 ص 194)
- فَصْلٌ: فِي الْقَطَائِعِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: إقْطَاعُ إرْفَاقٍ، وَذَلِكَ إقْطَاعُ مَقَاعِدِ السُّوقِ، وَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَرِحَابِ الْمَسَاجِدِ … فَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا لِمَنْ يَجْلِسُ فِيهَا؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ إلَّا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، فَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجْلِسَ فِيهَا مَنْ لَا يَرَى أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِجُلُوسِهِ. وَلَا يَمْلِكُهَا الْمُقْطَعُ بِذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إقْطَاعٍ سَوَاءً، إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ السَّابِقَ إذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ عَنْهَا، فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا بِسَبْقِهِ إلَيْهَا، وَمُقَامِهِ فِيهَا، فَإِذَا انْتَقَلَ عَنْهَا، زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ، لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ، وَهَذَا اسْتَحَقَّ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ، فَلَا يَزُولُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ
الثَّانِي: إقْطَاعُ مَوَاتٍ مِنْ الْأَرْضِ لِمَنْ يُحْيِيهَا، فَيَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَقْطَعَهُ أَرْضًا … وَأَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ، وَأَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ الْمَأْرِبِيَّ … إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ الْمَوَاتِ، لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ، لَكِنْ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ، كَالْمُتَحَجِّرِ لِلشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ، حَيْثُ اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْهُ مَا عَجَزَ عَنْ إحْيَائِهِ مِنْ الْعَقِيقِ، الَّذِي أَقْطَعَهُ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِرْجَاعُهُ. وَرَدَّ عُمَرُ أيْضًا قَطِيعَةَ أَبِي بَكْرٍ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ … لكِنَّ الْمُقْطَعَ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَأَوْلَى بِإِحْيَائِهِ، فَإِنْ أَحْيَاهُ، وَإِلَّا قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: إنْ أَحْيَيْته، وَإِلَّا فَارْفَعْ يَدَك عَنْهُ. كَمَا قَالَ عُمَرُ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يُقْطِعْك لِتَحْجُبَهُ دُونَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أَقْطَعَك لِتَعْمُرَ، فَخُذْ مِنْهَا مَا قَدَرْت عَلَى عِمَارَتِهِ، وَرُدَّ الْبَاقِيَ. وَإِنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ، أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ… وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَا لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «لَمَّا اسْتَقْطَعَهُ أَبْيَضُ بْنُ حَمَّالٍ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. رَجَعَهُ مِنْهُ». وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَفِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ وَجْهَانِ… وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَع الْإِمَامُ أَحَدًا مِنْ الْمَوَاتِ، إلَّا مَا يُمْكِنُهُ إحْيَاؤُهُ؛ لِأَنَّ فِي إقْطَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. فَإِنْ فَعَلَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إحْيَائِهِ، اسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ، كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ عِمَارَتِهِ مِنْ الْعَقِيقِ، الَّذِي أَقْطَعَهُ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(المغني – ابن قدامة المقدسي، ج 5 ص 526 – 528 )
86.فَصْلٌ: وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، وَلَا تَغْيِيرُهُ، مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ … وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَغَيَّرَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، جَازَ. وَإِنْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ، مَلَكَهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ، وَمِلْكُ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ نَصٌّ، وَالنَّصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الِاجْتِهَادِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ.
(المغني – ابن قدامة المقدسي، ج 5 ص 530 )
أَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ… وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي النَّظَرِ فِي ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَلَمْ يُحْيِهِ، فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ التَّرْكِ، فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ، كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّ هَذَا عَيْنٌ مُبَاحَةٌ، فَلَا يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ، كَأَخْذِ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ، وَنَظَرُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِهِ … وَأَمَّا مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلْإِمَامِ تَرْتِيبُ مَصَارِفِهِ فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ هَذَا مُبَاحٌ، فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ كَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ
(المغني – ابن قدامة المقدسي، ج 5 ص 543 )
87.وَيَكُونُ الِاخْتِصَاصُ بِسَبَبِ إقْطَاعِ الْإِمَامِ أَرْضًا مِنْ مَوَاتٍ، أَوْ مِنْ أَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا لِكَوْنِهَا فَضَلَتْ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَلَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا غَرْسَ وَمِنْ الْمَوَاتِ مَا عُمِّرَتْ، ثُمَّ دَرَسَتْ وَطَالَ الزَّمَانُ… وَمِثْلُ الْإِمَامِ نَائِبُهُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِقْطَاعِ، ثُمَّ إقْطَاعُ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ بِالتَّعْمِيرِ بَعْدَهُ نَعَمْ هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ فَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إنْ حَازَهُ… وَلَا يُقْطِعُ الْإِمَامُ مَعْمُورَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ… (مِلْكًا) بَلْ إمْتَاعًا وَانْتِفَاعًا… وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطِعْ الْمَعْمُورَ مِلْكًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ… ثُمَّ مَا اقْتَطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْعَنْوَةِ إنْ كَانَ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ انْحَلَّ عَنْهُ بِمَوْتِهِ… إِنْ كَانَ لِشَخْصٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ اسْتَحَقَّهُ الذُّرِّيَّةُ بَعْدَهُ لِلْأُنْثَى كَالذَّكَرِ إلَّا لِبَيَانِ تَفْصِيلٍ… وَالِاخْتِصَاصُ يَكُونُ بِحِمَى إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي خُصُوصِ الْحِمَى بِخِلَافِ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّائِبُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي خُصُوصِهِ… فَيَجُوزَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ …(أن يكون) مَكَانًا مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَيْ دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ قَلَّ بِأَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ لَا إنْ كَثُرَ بِأَنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَرْعَى بَلَدٍ عَفَا … عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ … لِدَوَابِّ الْغُزَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
(الشرح الكبير – للشيخ الدردير، ج 4 ص 68 -69)
- ولا يجوز لأحدٍ من الولاة أن يأخذ من أرباب المواشي عوضًا عن مراعي موات أو حِمَى؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والنار والكلأ”
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 180 )
89.ما اختص بأفنية الشوارع والطرق فهو موقوف على نظر السلطان… وفي (حكم) نظره وجهان: أحدهما: أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي، ومنعهم من الإضرار… الثاني: أنَّ نظره فيه نظر مجتهد فيما يراه صلاحًا في إجلاس من يجلسه، ومنع من يمنعه… وليس له على الوجهين أن يأخذ منهم على الجلوس أجرًا.
(الأحكام السلطانية- الماوردي، ص 182)
90.وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الأَرَضِينَ الَّتِي افْتُتِحَتْ عُنْوَةً أَوْ صُولِحَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَفِي بَعْضِ قُرَاهَا أَرْضٌ كَثِيرَةٌ لَا يُرَى عَلَيْهَا أَثَرُ زِرَاعَةٍ وَلا بِنَاءٍ لأَحَدٍ، مَا الصَّلاحُ فِيهَا؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَهِ الأَرَضِينَ أَثَرُ بِنَاءٍ وَلا زَرْعٍ، وَلَمْ تَكُنْ فَيْئًا لأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلا مَسْرَحًا وَلا مَوْضِعَ مَقْبَرَةٍ وَلا مَوْضِعَ مُحْتَطَبِهِمْ وَلَا مَوضِع مرعى دوابهم وَأَغْنَامِهِمْ، وَلَيْسَتْ بِمِلْكٍ لأَحَدٍ وَلا فِي يَدِ أَحَدٍ فَهِيَ مَوَاتٌ؛ فَمَنْ أَحْيَاهَا أَوْ أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا فَهِيَ لَهُ. وَلَكَ أَنْ تُقْطِعَ ذَلِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَرَأَيْتَ وَتُؤَاجِرَهُ وَتَعْمَلَ فِيهِ بِمَا تَرَى أَنَّهُ صَلاحٌ.
(الخراج- أبو يوسف، ص 63 – 64 )
- وَلَوْ اقْتَطَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ كُلَّ عَامٍ كَذَا عُمِلَ بِهِ، وَمَحَلُّ الْمَأْخُوذِ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا اقْتَطَعَهُ إنْ مَلَكَهُ الْمَقْطُوعُ لَهُ بِاقْتِطَاعِهِ
(الشرح الكبير – للشيخ الدردير، ج 4 ص 68)
92.وَيَحْرُمُ التَّسْعِيرُ عَلَى النَّاسِ بَلْ يَبِيعُونَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى مَا يَخْتَارُونَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ… وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ إلْزَامَهُمْ أَيْ: الْبَاعَةِ الْمُعَاوَضَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهَا كَالْجِهَادِ
(كشاف القناع عن متن الإقناع- البهوتي، ج 3 ص 150 -151)
(غاية المنتهى- ج 2 ص 21)
(حاشية المقنع- ج 2 ص 22- 23)
(الإنصاف – ج 4 ص 338)
(المغني- ابن قدتمة، ج4 ص 217 – 218)
93.وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ لِقَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَإِلَيْهِ تَقْدِيرُهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ… وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي هَذَا الْأَمْرُ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ فِي ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ، فَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ عَلَى مَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَابُ الطَّعَامِ يَتَحَكَّمُونَ وَيَتَعَدَّوْنَ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا، وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ بِمَشُورَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْبَصِيرَةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَتَعَدَّى رَجُلٌ عَنْ ذَلِكَ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ، هَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ. قِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي عُرِفَ فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ يَبِيعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ، وَهَذَا كَذَلِكَ.
(تكملة فتح القدير لقاضي زادة، ج 8 ص 128)
(العناية شرح الهداية- البابرتي)
94.وَأَمَّا إذَا ضَمِنَ الرَّجُلُ نَوْعًا مِنْ السِّلَعِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا إلَّا هُوَ فَهَذَا ظَالِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ بَيْعِهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَبِيعُهَا لِلنَّاسِ بِمَا يَخْتَارُ مِنْ الثَّمَنِ فَيُغَلِّيهَا وَهَؤُلَاءِ نَوْعَانِ. مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَأْجِرُ حَانُوتًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا …عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ فِي الْمَكَانِ إلَّا هُوَ أَوْ يَجْعَلُ عَلَيْهِ مَالًا يُعْطِيهِ لِمُقْطِعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِئْجَارِ حَانُوتٍ … وَكِلَاهُمَا ظَالِمٌ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَزِيدُهَا فِي الْحَانُوتِ لِأَجْلِ مَنْعِ الثَّانِي مِنْ الْبَيْعِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّامِنِ الْمُنْفَرِدِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِمْ ضَمَانٌ؛ لَكِنْ يَلْتَزِمُونَ بِالْبَيْعِ لِلنَّاسِ كَالطَّحَّانِينَ وَالْخَبَّازِينَ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُمْ وَظِيفَةٌ؛ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مُقَدَّرًا وَيَمْنَعُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا جَازَ التَّسْعِيرُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ التَّسْعِيرُ فِي الْإِطْلَاقِ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْمُبَايَعَةَ لِهَذَا الصِّنْفِ وَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ فَلَوْ مُكِّنُوا أَنْ يَبِيعُوا بِمَا أَرَادُوا كَانَ ظُلْمًا لِلْمَسَاكِينِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: {غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي مَالٍ} . أَمَّا فِي الصُّورَةِ: فَإِذَا كَانُوا قَدْ أُلْزِمُوا بِالْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمُوا بِأَنْ يَبِيعُوا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لَهُمْ وَإِذَا كَانَ غَيْرُهُمْ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَكَّنُوا أَنْ يَبِيعُوا بِمَا اخْتَارُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لِلنَّاسِ. يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَهَلْ يَجُوزُ الْتِزَامُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا هُمْ الْبَائِعِينَ لِهَذَا الصِّنْفِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَأَنْ لَا يَبِيعُوهُ إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ مَكْسٍ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ؟ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ … قِيلَ: أَمَّا إذَا اخْتَارُوا أَنْ يَقُومُوا بِمَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْمَبِيعَاتِ وَأَنْ لَا يَبِيعُوهَا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ عَلَى أَنْ يُمْنَعَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْبَيْعِ وَمَنْ اخْتَارَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ مُكِّنَ فَهَذَا لَا يَتَبَيَّنُ تَحْرِيمُهُ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي هَذَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلنَّاسِ وَهَذَا يُشْبِهُ مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ فِي التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ قَالَ: إنْ كُنْت تَبِيعُ بِسِعْرِ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَإِلَّا فَلَا تَبِعْ. فَإِنَّ مَصْلَحَةَ النَّاسِ الْعَامَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُبَاعُوا بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَأَنْ لَا يُبَاعُوا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ وَهَذَانِ مَصْلَحَتَانِ جَلِيلَتَانِ. وَالْبَاعَةُ إذَا اخْتَارُوا ذَلِكَ لَمْ يَكُونُوا قَدْ أُكْرِهُوا عَلَيْهِ فَلَا ظُلْمَ عَلَيْهِمْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ النَّاسِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِي هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ بِأَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيمَا يَقُومُونَ بِهِ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ … وَقَدْ يُقَالُ: هَذَانِ نَوْعَانِ مِنْ الظُّلْمِ: إلْزَامُ الشَّخْصِ أَنْ يَبِيعَ وَأَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَفِي هَذَا فَسَادٌ. وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ صَالِحًا بِدُونِ هَذَا لَمْ يَجُزْ احْتِمَالُ هَذَا الْفَسَادِ بِلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ بِدُونِ هَذَا لَا يَحْصُلُ لِلنَّاسِ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا يَلْقَوْنَ ذَلِكَ إلَّا بِأَثْمَانٍ مُرْتَفِعَةٍ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ مَا يَكْفِيهِمْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ. فَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ يُغْتَفَرُ فِي جَانِبِهَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَنْعِ.
(مجموع الفتاوى – ابن تيمية، ج 29 ص 253 – 256)
95.وَمَا احْتَاجَ إلَى بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ عُمُومُ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُبَاعَ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ: إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ عَامَّةً… وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَى صِنَاعَةِ نَاسٍ؛ مِثْلَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَايَةِ: فَإِنَّ النَّاسَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ طَعَامٍ يَأْكُلُونَهُ وَثِيَابٍ يَلْبَسُونَهَا وَمَسَاكِنَ يَسْكُنُونَهَا فَإِذَا لَمْ يُجْلَبْ لَهُمْ مِنْ الثِّيَابِ مَا يَكْفِيهِمْ كَمَا كَانَ يُجْلَبُ إلَى الْحِجَازِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… احْتَاجُوا إلَى مَنْ يَنْسِجُ لَهُمْ الثِّيَابَ… فَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ: أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ؛ وَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهَا؛ كَمَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ … وَطَلَبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إلَّا فِيمَا يَتَعَيَّنُ… وَكَذَلِكَ غَسْلُ الْمَوْتَى وَتَكْفِينُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ: فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ…. الْوِلَايَاتُ كُلُّهَا: الدِّينِيَّةُ – مِثْلَ إمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا دُونَهَا: مِنْ مُلْكٍ وَوِزَارَةٍ وَدِيوَانِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابَةَ خِطَابٍ أَوْ كِتَابَةَ حِسَابٍ لِمُسْتَخْرَجِ أَوْ مَصْرُوفٍ فِي أَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمِثْلَ إمَارَةِ حَرْبٍ وَقَضَاءٍ وَحِسْبَةٍ وَفُرُوعُ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ – إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ… وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ مَتَى لَمْ يَقُمْ بِهَا غَيْرُ الْإِنْسَانِ صَارَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ غَيْرُهُ عَاجِزًا عَنْهَا فَإِذَا كَانَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إلَى فِلَاحَةِ قَوْمٍ أَوْ نِسَاجَتِهِمْ أَوْ بِنَائِهِمْ صَارَ هَذَا الْعَمَلُ وَاجِبًا يُجْبِرُهُمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعُوا عَنْهُ بِعِوَضِ الْمِثْلِ وَلَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ مُطَالَبَةِ النَّاسِ بِزِيَادَةِ عَنْ عِوَضِ الْمِثْلِ وَلَا يُمَكِّنُ النَّاسَ مِنْ ظُلْمِهِمْ بِأَنْ يُعْطُوهُمْ دُونَ حَقِّهِمْ كَمَا إذَا احْتَاجَ الْجُنْدُ الْمُرْصِدُونَ لِلْجِهَادِ إلَى فِلَاحَةِ أَرْضِهِمْ أَلْزَمَ مَنْ صِنَاعَتُهُ الْفِلَاحَةُ بِأَنْ يَصْنَعَهَا لَهُمْ: فَإِنَّ الْجُنْدَ يُلْزَمُونَ بِأَنْ لَا يَظْلِمُوا الْفَلَّاحَ كَمَا أَلْزَمَ الْفَلَّاحَ أَنْ يُفْلِحَ لِلْجُنْدِ.
(مجموع الفتاوى- ابن تيمية، ج 28 ص 79 – 82)
96.وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إنْ أَجْبَرَ أَهْلَ الصِّنَاعَاتِ عَلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ صِنَاعَاتِهِمْ كَالْفِلَاحَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْبِنَايَةِ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ فَلَا يُمَكِّنُ الْمُسْتَعْمِلَ مِنْ نَقْصِ أُجْرَةِ الصَّانِعِ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُمَكِّنُ الصَّانِعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ؛ وَهَذَا مِنْ التَّسْعِيرِ الْوَاجِبِ. وَكَذَلِكَ إذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى مَنْ يَصْنَعُ لَهُمْ آلَاتِ الْجِهَادِ مِنْ سِلَاحٍ وَجِسْرٍ لِلْحَرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُسْتَعْمَلُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَعْمِلُونَ مِنْ ظُلْمِهِمْ وَلَا الْعُمَّالُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ بِزِيَادَةِ عَلَى حَقِّهِمْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ فَهَذَا تَسْعِيرٌ فِي الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا فِي الْأَمْوَالِ فَإِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى سِلَاحٍ لِلْجِهَادِ فَعَلَى أَهْلِ السِّلَاحِ أَنْ يَبِيعُوهُ بِعِوَضِ الْمِثْلِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَحْبِسُوا السِّلَاحَ حَتَّى يَتَسَلَّطَ الْعَدُوُّ أَوْ يُبْذَلَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا يَخْتَارُونَ… وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ النَّاسَ إذَا احْتَاجُوا إلَى الطَّحَّانِينَ وَالْخَبَّازِينَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى صِنَاعَتِهِمْ؛ كَاَلَّذِينَ يَطْحَنُونَ وَيَخْبِزُونَ لِأَهْلِ الْبُيُوتِ فَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ الْأُجْرَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ أَنْ يُطَالِبُوا إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الصُّنَّاعِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى الصَّنْعَةِ وَالْبَيْعِ؛ فَيَحْتَاجُوا إلَى مَنْ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ وَيَطْحَنُهَا؛ وَإِلَى مَنْ يَخْبِزُهَا وَيَبِيعُهَا خُبْزًا. … فَهَؤُلَاءِ لَوْ مُكِّنُوا أَنْ يَشْتَرُوا حِنْطَةَ النَّاسِ الْمَجْلُوبَةِ وَيَبِيعُوا الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ بِمَا شَاءُوا مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ لَكَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا؛… وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ أُلْزِمُوا… أَوْ دَخَلُوا طَوْعًا فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ؛ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يُسَعَّرُ عَلَيْهِمْ الدَّقِيقُ وَالْحِنْطَةُ؛ فَلَا يَبِيعُوا الْحِنْطَةَ وَالدَّقِيقَ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ بِحَيْثُ يَرْبَحُونَ الرِّبْحَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهِمْ وَلَا بِالنَّاسِ.
(مجموع الفتاوى- ابن تيمية، ج 28 ص 90 )
(الطرق الحكمية- ابن قيم الجوزية، ص 253)
97. في كتاب الاستغناء، قال المشاور…أهل الارحى والافران والحمامات لا يجبرون على طبخ ولا طحن لأحد، وإن لم يكن في الموضع غيرهم، ولمن شاء طبخ وطحن، ولا يجبر أحد على ما يملكه من نفسه وماله، كما لو قال الراعي لا أرعى لأحد، كان له ذلك، وكذلك الصناع كلهم، ولغيره نحوه، إلا ما كان من المباحات للناس كالفرن والرحا والحملم إذا لم يكن في الموضع غيره وأبى من الطبخ والطحن فيه لإحد أنه لا يجبر على الطيخ من أباه بما يطبخ به مثله لا يُزاد على ذلك، لأن ذلك من الضررللجار، وقد أوصى الله سبحانه وتعالى بالجار وأمر بالرفق به، وقد أباح هذه الأشياء للعامة، وكذلك البئر تكون في ملكه فيبيحها للعامة وما أشبه ذلك والقياس الأول وهذا استحسان، وأخبرني الثقة من أصحابي أن القضاة بطليطلة كانوا يحكمون باجبار الفران على طبخ خبز جاره إذا أبى عن ذلك بمثل ما يطبخ به خبز مثله ويرون أن امتناعه من ذلك ضرر.
(العِقد المنظّم للحكام – ابن سلمون الكناني، ج 1 ص 286-287)
98.ولم يزل أمر السواد على الخراج الى دولة بني العباس فجعله المنصور مقاسمة حيث رخصت الاسعار فلم تف الغلات بخراجها وخرب السواد فجعله مقاسمة ثم تبعه على ذلك ابنه المهدي وجعله مقاسمة بالثلث فيما سقي بالدوالي وبالربع فيما سقي بالدواليب والنواضح
(الاستخراج لأحكام الخراج- ابن رجب الحنبلي، ص 11 )
99.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ” جَاءَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقْطَعَهُ أَرْضًا، فَأَقْطَعَهَا لَهُ طَوِيلَةً عَرِيضَةً “، فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ قَالَ لَهُ: يَا بِلَالُ إِنَّكَ اسْتَقْطَعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا طَوِيلَةً عَرِيضَةً، فَقَطَعَهَا لَكَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ، وَأَنْتَ لَا تُطِيقُ مَا فِي يَدَيْكَ، فَقَالَ: أَجَلْ، فَقَالَ: فَانْظُرْ مَا قَوِيتَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَمْسِكْهُ، وَمَا لَمْ تُطِقْ، وَمَا لَمْ تَقْوَ عَلَيْهِ، فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَقْسِمْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ وَاللَّهِ شَيْئًا أَقْطَعَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ، فَأَخَذَ مِنْهُ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ “
المراجع
الكتاب: الاستخراج لأحكام الخراج
المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (المتوفى: 795هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان
تاريخ النشر: الطبعة الأولى
الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث – القاهرة
الكتاب: الأحكام السلطانية للفراء
المؤلف: القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى: 458هـ)
صححه وعلق عليه: محمد حامد الفقي
الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان
الكتاب: الأشباه والنظائر
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية
الطبعة: الأولى
الكتاب: الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ
المؤلف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (المتوفى: 970هـ)
وضع حواشيه وخرج أحاديثه: الشيخ زكريا عميرات
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان
الطبعة: الأولى
الكتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف: علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (المتوفى: 587هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية
تاريخ النشر: الطبعة الأولى
عدد الأجزاء: 7
لكتاب: دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات
المؤلف: منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى: 1051هـ)
الناشر: عالم الكتب
تاريخ النشر: الطبعة الأولى
عدد الأجزاء: 3
الكتاب: الحسبة:رسالة تبحث في نظام الهياة الاجتماعية عند العرب
المؤلف: عبدالرزاق الحصان
الناشر: مطبعة التفيض – بغداد
تاريخ النشر: 1375 (1946)
الكتاب: الخراج في الدولة الإسلامية، أو، التاريخ المالي للدولة الإسلامية المؤلف: محمد ضياء الدين الريس
الناشر: مكتبه نھضه مصر
تاريخ النشر: الطبعة الأولى 1957
صفحة: 508 ص
الكتاب: الخراج
المؤلف: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (المتوفى: 182هـ)
الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث
تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد
عدد الأجزاء: 1
الكتاب: الخراج
المؤلف: أبو زكرياء يحيى بن آدم بن سليمان القرشي بالولاء، الكوفي الأحول (المتوفى: 203هـ)
الناشر: المطبعة السلفية ومكتبتها
الطبعة: الثانية، 1384
عدد الأجزاء: 1
الكتاب: الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير على مختصر خليل
المؤلف: الشيخ أحمد الدردير
الناشر: دار الفكر
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 4
الكتاب: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير
المؤلف: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى: 1230هـ)
الناشر: دار الفكر
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 4
الكتاب: الهداية في شرح بداية المبتدي
المؤلف: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593هـ)
المحقق: طلال يوسف
الناشر: دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان
عدد الأجزاء: 4
الكتاب: فتح القدير
المؤلف: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ)
الناشر: دار الفكر
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 10
الكتاب: الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق
المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 4
الكتاب: الطرق الحكمية
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
الناشر: مكتبة دار البيان
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 1
الكتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
المؤلف: منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى: 1051هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية
الطبعة: بدون تاريخ
عدد الأجزاء: 6
الكتاب: العِقد المنظّم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام
(هامش تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لابن فرحون اليعمري المالكي)
المؤلف: الشيخ الفقية أبي محمد عبدالله بن عبد الله بن سلمون الكناني
الطباعة: المطبعة العامرة الشرفية – مصر
تاريخ النشر: الطبعة الأولى، 1301هـ
عدد الأجزاء: 2
الكتاب: الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق
المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء:
الكتاب: القواعد لابن رجب
المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية
الكتاب: قواعد الأحكام في مصالح الأنام
المؤلف: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (المتوفى: 660هـ)
راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد
الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة
الكتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
المؤلف: مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة، الرحيبانى مولدا ثم الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 1243هـ)
الناشر: المكتب الإسلامي
تاريخ النشر: الطبعة الأولى
عدد الأجزاء: 6
الكتاب: مجموع الفتاوى
المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)
المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية
عام النشر: 1416هـ/1995م
الكتاب: المهذب في فقة الإمام الشافعي
المؤلف: أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (المتوفى: 476هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية
عدد الأجزاء: 3
الكتاب: المغني لابن قدامة
المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ)
الناشر: مكتبة القاهرة
الطبعة: بدون طبعة
عدد الأجزاء: 10
تاريخ النشر: 1388هـ – 1968م
الكتاب: العناية شرح الهداية
المؤلف: محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد الله ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي (المتوفى: 786هـ)
الناشر: دار الفكر
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 10
الكتاب: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر
المؤلف: أحمد بن محمد مكي، أبو العباس، شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي (المتوفى: 1098هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية
الطبعة: الأولى
عدد الأجزاء: 4
الكتاب: معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام
المؤلف: أبو الحسن، علاء الدين، علي بن خليل الطرابلسي الحنفي (المتوفى: 844هـ)
الناشر: دار الفكر
الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
عدد الأجزاء: 1