(مع تعليق حديث على المقالة)
نشرت هذه المقالة في العدد الثاني من (الإدارة العامة)- نشرة دورية يصدرها معهد الإدارة العامة بالرياض.
تاريخ العدد: شوال 1383هـ
رغب تحرير النشرة أن أكتب بحثاً عن القضاء الإداري في الدولة الإسلامية فاعتذرت لضيق الوقت والبعد عن المراجع، ولم يقبل التحرير عذري، ولذا فإن رجائي للقارئ أن لا يعتبر هذا أكثر من خاطرة عابرة وفكرة متيسرة
وإلى جانب هذه الملاحظة أشير إلى أني اعتمدت في كتابة هذه الخاطرة كثيراً على كتاب القضاء الإداري للدكتور سليمان الطاوي.
***
١- يقال عادة – في مجال القانونين – أن العصر الحاضر عصر القانون الإداري، ويمكن أن يقال على سبيل القياس و التلازم أن هذا العصر عصر القضاء الإداري. وهذا الوصف في الغالب وكما تدل الاتجاهات الحديثة لن يكون في المستقبل أقل وضوحاً، إن سيادة المفهوم الجماعي لفكرة الدولة ، على حساب المفهوم الفردي، وظهور امكانيات كبيرة للتدخل الحكومي هو الدليل على هذا الحكم.
وما دام أن القضاء الإداري سمة من سمات الدولة الحديثة التي تزداد بروزاً على مر الأيام، فإن ذلك يخلق مناسبة لإثارة السؤال عن مدى امكانيات وجود قضاء إداري في الدولة الإسلامية؟
٢- وعند محاولة إجابة هذا السؤال لا يجوز أن نغفل هذين الأمرين:
أولاً: أن الفكرة الإسلامية للدولة – و إذا لم يكن مناص من أن نرددها بين الفكرة الجماعية، والفكرة الفردية – تكون فيما أعتقد من جانب الأولى ، ويمكن للإنسان أن يقيم أدلة كثيرة على أن الشريعة الإسلامية عندما لا يمكنها التوفيق بين حق الجماعة و حق الفرد تضحي بالثاني لحساب الأول.
ثانيا: يقال عادة أن الدولة الحديثة تقوم على مبدأ المشروعية بمعنى أن نخضع لسيادة حكم القانون ومقتضى هذا الأمر أن تجري تصرفات الدولة بالموافقة لأحكام القانون القائم، وأن يمكن للأفراد بالوسائل المشروعة رقابة الدولة في إجرائها لهذه التصرفات، بحيث يمكنهم الوصول إلى نقص تصرفات الدولة التي تتم بالمخالفة لإحكام القواعد القانونية الملامة على اختلاف أنواعها أما الدولة التي لا تخضع لمبدأ المشروعية فهي الدولة البوليسية و هذه الدولة لا تفسح الحضارة الحديثة مجالاً لوجودها.
لقد أشرت إلى أن الدولة التي تخضع لمبدأ المشروعية يجب أن تجري تصرفها وفقاً لأحكام القانون وأن الإخلال بهذا الواجب لا بد له من جزاء، و الجزاء يكون بأبطال التصرف المخالف للقانون و إبطال آثاره و لكن هذه المقدمات تثير السؤال عن كيفية توقيع هذا الجزاء ؟ بعبارة أخرى أي سلطة تلك التي تملك أن تقرر البطلان؟ والواقع أن الدولة الحديثة تسلك في هذا المجال طريقين:
أولهما: أن تناط هذه السلطة بالجهة الإدارية وهذا ما يطلق عليه الرقابة الإدارية حيث تتولى الإدارة بنفسها مراقبة مدى مطابقة تصرفاتها للقانون.
ثانياً: أن تناط هذه السلطة بالقضاء و هذا ما يطلق عليه الرقابة القضائية .
و تذهب الدول في هذا الأمر الأخير مذهبين مختلفين:
الأول: إخضاع القضايا الإدارية للقضاء العادي و للمحاكم العادية.
الثاني: اخضاع القضايا الإدارية لقضاء متخصص يسمى بالقضاء الإداري أو المحاكم الإدارية. بعد هذا التمهيد الطويل لا يجوز القول بأن الدولة الإسلامية يمكن أن تكون دولة بوليسية فالدولة الإسلامية تخضع خضوعاً صارماً لمبدأ المشروعية و لم يكن ممكناً أن يكون الأمر غير ذلك ما دام قانونها القانون السماوي. فهي تخضع في تصرفاتها لهذا القانون السماوي. فهي تخضع في تصرفاتها لهذا القانون بل أن الإسلام يجعل من واجب المجتمع الإسلامي أن يراقب هذا الخضوع مراقبة لا هوادة فيها.
٣- بعد الأخذ في الاعتبار بأن الدولة الإسلامية تميل إلى الاتجاه الجماعي في فكرة الدولة وأنها تخضع لمبدأ المشروعية، فإن التربة فيها مناسبة لإثبات القضاء الإداري، و قد يقال أن القضاء الإداري بالمعنى الحديث لهذا الاصطلاح لم يوجد في الدولة لاسلامية والواقع أنع لا مناقضة بين أن تتوفر ظروف مناسبة لوجود القضاء الإداري ثم لا يوجد الموجب بل لابد من أن ينتفي المانع والواقع أيضاً أنه وجدت في الماضي موانع تعوق ظهور القضاء الإداري في الدولة الإسلامية.
٤- (أ) من هذه الموانع أن الظروف الإقتصادية و الإجتماعية و البيئية في الماضي لم تكن تلائم تطبيق الاتجاه الجماعي في فكرة الدولة بل إن تلك الظروف لم تكن تسمح ببروز التناقض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وهي إذا سمحت ببروز هذا التناقض فإن الوسائل المادية في الماضي لم تكن تسمح للجهاز الإداري في الدولة بالتدخل على نحو ما نشاهده في العصر الحديث.
لقد اتيحت فرصة في هذا المجال فإن انتشار الفتوح في العصور الأولى مكن لظهور صورة خاصة من الملكية الجماعية فقد أصبحت أراضي شاسعة مغلة من أراضي الدولة الإسلامية أراضي خراجية أي مملوكة للدولة، و إذا أخذنا أرض السواد مثلاً في هذا المجال نجد أنه فيما عدا ثلاث قرى كانت أرض السواد أرضاً خراجية. وهذه الحقيقة تذكرنا بحادث تاريخي له دلالة في هذا المجال فعند انتشار الفتوح والإستيلاء على أراضي السواد، وجدت فرصة لقيام التعارض بين الفكرة الفردية والفكرة الجماعية فقد نادى جماعة من المسلمين (بلال و رفاقه) رضي الله عنهم بقسمة الأرض على المسلمين وتمليكها لهم. ولكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بثاقب الإلهام جنح للرأي الثاني واستعان الله على بلال ورفاقه وتخير في النظر للمسلمين وللحيطة عليهم فجعل الأرض موقوفة على المسلمين.
و لكن الفرصة التي أشرنا إليها عاقت ظروف تاريخية متنوعة على أن تؤتى نتائجها الطبيعية.
يجب أن لا يغفل بعد هذا أن فكرة الدولة الإسلامية مع ميلها للاتجاه الجماعي فهي لا تغفل عن الاتجاه الفردي، واحترام الإسلام للملكية الفردية و حمايتها، وتوفيره لضماناتها كل هذا كفيل بأن لا يغفل اعتبار الاتجاه الفردي في الفكرة الإسلامية للدولة.
(ب) و من الموانع التي أشير إليها أن الدولة الإسلامية مع خضوعها نظرياً لمبدأ المشروعية فقد تعرضت بعد عصر الخلفاء للون من الاستبداد العضوض حيث اتيحت الفرصة العملية لتفاجئ الدولة بتصرفات من الصعب القول بموافقتها للقانون الذي تدين به الدولة، ومما صعب الطريق أمام الأفراد لمزاولة الرقابة الواجبة على خضوع الدولة لمبدأ المشروعية، على أن الدولة الإسلامية في فترات متلاحقة كانت تصحو على هذه الحقيقة و كانت تجري محاولات لتثبت خضوع الدولة لسيادة القانون وبالتالي لتوفير الرقابة على هذا الخضوع و مما له دلالة في هذا الصدد ما يقرره بعض الفقهاء من أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز كان أول من ندب نفسه للمظالم (يراجع ما بعد).
٥- في تاريخ الدولة الإسلامية وجد نوع خاص من القضاء إذا لم يجز القول بأنه يعتبر قضاءً إدارياً بالمعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة فإنه أشبه ما يكون بهذا القضاء و نعني به ما سمي بولاية المظالم، و في دراسة هذا النوع من القضاء نجد عدة مشابهات مثيرة بينه وبين القضاء الإداري في الدولة الحديثة:
(أ) ففي العصر الأول للدولة الإسلامية كما حدث بالنسبة للدول الحديثة لم تدع الحاجة لوجود نوع متميز من القضاء يتولى الفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري، و كانت هذه المنازعات تعرض على القضاء العادي، و لكن بتعقد الجهاز الإداري بدأت تظهر الحاجة لهذا النوع من القضاء، فكان الخلفاء أنفسهم يتولونه مستعينين في ذلك بالقضاء و الفقهاء و يزاولون إلى جانب أعمالهم الأخرى السياسية ثم تطور الأمر حتى أسند هذا النوع من القضاء إلى أشخاص متخصصين به سموا ولاة المظالم.
يقول في هذا الصدد القاضي أبو يعلى في كتابه الأحكام السلطانية: ” وَلَمْ يُنْتَدَبْ لِلْمَظَالِمِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَحَدٌ، لأنهم في الصدر الأول، و ظهور الدين عليهم بيّن، يقودهم إلى التناصف وإلى الحق، وإنما كانت المنازعات تجري بينهم في أمور مشتبهه يوضحها حكم القضاة … ثم انتشر الأمر من (بعد) حتى تجاحد الناس بالظلم و لم تكفهم زواجر العظة فاحتاجوا في رذع المتقلبين إلى ناظر المظالم الذي تمتزج به قوة السطان فكان أول من أفرد للظلامات يوماً تصفح فيه قصص ( شكاوى ) المتظلمين من غير مباشرة للنظر عبد الملك بن مروان فَكَانَ إذَا وَقَفَ مِنْهَا عَلَى مُشْكِلٍ، أَوْ احْتَاجَ فِيهَا إلَى حُكْمٍ مُنَفَّذٍ، رَدَّهُ إلَى قَاضِيهِ أَبِي إدْرِيسَ الأودي فنفذ فيه أحكامه فكان أبو إدريس هو المباشر وعبد الملك هو الآمر .. ثم زاد من جور الولاة و ظلم العتاة ما لم يكفهم عنه إلا أقوى الأيادي فكان عمر بن عبد العزيز أول من ندب نفسه للمظالم ورد مظالم بني أمية إلى أهلها ثم جلس لها ( من ) خلفاء بني العباس جماعة” أ.هـ ص٥٩.
و هنا يقر أبو يعلى أن الحاجة لم تكن تدعو في الصدر الأول إلى قضاء متميز بالمظالم فكان يكفي في ذلك القضاء العادي، ثم بدأ الإحساس بهذه الحاجة ولكن الأمر حين يحتاج إلى القضاء كان يرد إلى القضاء العادي، ولما ظهرت الحاجة إلى وجود قضاء متخصص انتدب الخلفاء أنفسهم لهذا القضاء وأصبح من وظائفهم.
(ب) و في القضاء الإداري في الدولة الحديثة توجد صلة بين رجاله و بين الإدارة و في بعض الأحيان يتولى هذا القضاء بتصدر رجال الإدارة أنفسهم.
أما قضاء المظالم فقد تولاه فعلاً في الغالب بعض رجال الإدارة الإسلامية. و يقول المصدر السابق: ” ومن شرط النَّاظِرِ فِيهَا (المظالم) أَنْ يَكُونَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، نَافِذَ الأمر،… لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ في نظره إلى سطوة الحماة، وتثبت القضاة. فاحتاج إلى الجمع بين صفتي الفريقين. فإن كان ممن يملك الأمور العامة كالخلفاء، أو من فوض إليه الخلفاء في الأمور العالمة كَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، لَمْ يَحْتَجْ النَّظَرُ فِيهَا إلَى تقليد. وكان له – لعموم وِلَايَتِهِ – النَّظَرُ فِيهَا.، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ عُمُومُ النَّظَرِ. احْتَاجَ إلَى تَقْلِيدٍ وَتَوْلِيَةٍ، إذَا اجْتَمَعَتْ فيه الشروط المتقدمة. وإنما يصح هذا فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُخْتَارَ لِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، أَوْ لِوِزَارَةِ التَّفْوِيضِ، أَوْ لِإِمَارَةِ الْأَقَالِيمِ، إذَا كَانَ نَظَرُهُ فِي الْمَظَالِمِ عَامًّا. فَإِنْ اقْتَصَرَ بِهِ على تنفيذ ما عجز القضاء عن تنفيذه جاز أن يكون دون هذه المرتبة في القدر والخطر، بعد أن لا يستخفه الطمع إلى رشوة.” ص٥٨.
(جـ) و قضاء المظالم قضاء متخصص، و هو يختص في الغالب بالمنازعات ذات الطابع الإداري والمصدر السابق يوضح هذا بقوله:
“ و يشمل النظر في المظالم على عشرة أقسام:
الْأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي تَعَدِّي الْوُلَاةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، فيتصفح عن أحوالهم، لِيُقَوِّيَهُمْ إنْ أَنْصَفُوا، وَيَكُفَّهُمْ إنْ عَسَفُوا، وَيَسْتَبْدِلَ بهم إن لم ينصفوا.
الثاني: جور العمال فيما يحتبونه من الأموال. فيرجع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمة، فيحمل الناس عليها. وَيَنْظُرُ فِيمَا اسْتَزَادُوهُ، فَإِنْ رَفَعُوهُ إلَى بَيْتِ الأموال أَمَرَ بِرَدِّهِ. وَإِنْ أَخَذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ اسْتَرْجَعَهُ لِأَرْبَابِهِ.
الثالث: كُتّاب الدواوين .. فيتصفح أحوالهم فيما وُكِلَ (إليهم) من زيادة أو نقصان.
الرابع: تَظَلُّمُ الْمُسْتَرْزِقَةِ مِنْ نَقْصِ أَرْزَاقِهِمْ، أَوْ تأخرها عنهم، وإجحاف النظار بِهِمْ فَيَرْجِعُ إلَى دِيوَانِهِ فِي فَرْضِ الْعَطَاءِ الْعَادِلِ، فَيُجْرِيهِمْ عَلَيْهِ: وَيَنْظُرُ فِيمَا نَقَصُوهُ أَوْ مَنَعُوهُ مِنْ قَبْلُ: فَإِنْ أَخَذَهُ وُلَاةُ أُمُورِهِمْ استرجعه لهم، وإن لم يأخذوه قضاهم من بيت المال.
الخامس: رد الغصوب وَهِيَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: غُصُوبٌ سُلْطَانِيَّةٌ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا وُلَاةُ الْجَوْرِ .. وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ عِنْدَ تَظَلُّمِهِمْ إلَى دِيوَانِ السَّلْطَنَةِ. فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ ذِكْرَ قَبْضِهَا عن مالكها عمل عليه، وأمر بردها إليه، ويرجع فيه إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ وَكَانَ مَا وَجَدَهُ في الديوان كافياً.
الضرب الثاني من الغصوب، ما تغلب عليه ذوو الأيدي القوية.. فهو مَوْقُوفٌ عَلَى تَظَلُّمِ أَرْبَابِهِ.
السادس: مُشَارَفَةُ الْوُقُوفِ…
السابع: تنفيذ ماوقف من أحكام القضاة .
الثامن: النظر فيما عجز عنه الناظرون في الحسبة من المصالح العامة.
التاسع: مُرَاعَاةُ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ.
العاشر: النَّظَرُ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ… ولا يجوز أن يحكم بينهم بما لا يَحْكُمُ بِهِ الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ.” ص(٦١-٦٣).
من هذا النص تبين أن قضاء المظالم قضاء متخصص، وهو في الغالب متخصص في المنازعات الإدارية، وعندما يتعرض للمنازعات الخاصة فإنه يلتزم فيها بأسلوب القضاء العادي.
وقد ورد في النص أن النظر في المظالم قد لايحتاج إلى إثارة الدعوى، وهذا قد يضعف من الصفة القضائية لوالي المظالم ويجعل عمله أقرب إلى الرقابة الإدارية إذ أن القضاء لا يمارس الرقابة على تصرفات الإدارة من تلقاء نفسها بل لابد من دعوى يحركها ذو المصلحة بهذا الخصوص على العكس من الرقابة الإدارية التي قد تزاولها الإدارة من تلقاء نفسها دون أن يثيرها ذو المصلحة بتظلم يقدمه.
د- وقضاء المظالم متميز في أسلوبه غن القضاء العادي، وأهم مايمتاز مايرجع إلى طرق الإثبات فيه وفي هذا الصدد يقول المصدر السابق:”وقد ذكر بعض أهل العلم الفرق بَيْنَ نَظَرِ الْمَظَالِمِ وَنَظَرِ الْقُضَاةِ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ .. الثاني: أَنَّ نَظَرَ الْمَظَالِمِ يَخْرُجُ مِنْ ضِيقِ الْوُجُوبِ إلَى سِعَةِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ النَّاظِرُ فِيهِ أَفْسَحَ مجالا، وأوسع مقالاً. الثالث: أنه يستعمل في فَضْلِ الْإِرْهَابِ، وَكَشْفِ الْأَسْبَابِ بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ، وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ اللَّائِحَةِ: مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْحُكَّامِ، فَيَصِلُ بِهِ إلَى ظُهُورِ الْحَقِّ، وَمَعْرِفَةِ الْمُبْطِلِ مِنْ المحق… الخامس: أَنَّ لَهُ مِنْ التَّأَنِّي فِي تَرْدَادِ الْخُصُومِ عند اشتباه أمورهم… مَا لَيْسَ لِلْحُكَّامِ إذَا سَأَلَهُمْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فَصْلَ الْحُكْمِ، فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ الْحَاكِمُ، وَيَسُوغُ أن يؤخره والى المظالم.
السادس: أن له رد الخصوم إذا أعضلوا إلى وَسَاطَةَ الْأُمَنَاءِ، لِيَفْصِلُوا التَّنَازُعَ بَيْنَهُمْ صُلْحًا عَنْ تَرَاضٍ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَضِيَ الخصمين بالرد…
الثامن: أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ شَهَادَاتِ الْمَسْتُورِينَ مَا يَخْرُجُ عن عرف القضاة في شهادة المعدلين..” الخ.
٦- فيما تقدم صورة وان لم تكن واضحة عن قضاة المظالم فهي تهدي إلى أن هذا القضاء وأن توزع في اعتباره قضاء إدارياً فقد كان من المحتمل أن يتطور إلى مايمكن أن يطلق عليه القضاء الإداري في الدولة الإسلامية.
ولعل القارئ يوافق على أن ما المحنا إليه من طبيعة الدولة الإسلامية، وما أشرنا إليه إشارات مقتضبة عن ولاية المظالم كتجربة قضائية إسلامية كل هذا يقوم في جانب القول بأنه لوجود القضاء الإداري في الدولة الإسلامية إمكانية كبيرة .. وبالله التوفيق.
صالح بن عبد الرحمن الحصين
تعليق على المقالة:
بعد أن أعاد الكاتب قرأة هذه المقالة (بعد خمسين سنة من كتابتها) يحسن إدراج الآتي:
أولا: فات الكاتب أن يذكر أمرا مهما كان ينبغي أن يكون له دور أساس في تحرير الكلام في الموضوع، وهو الإشارة إلى أن العدل مبدأ رئيس في منهج الحكم في الدولة الإسلامية، قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا]
وإذا كان العدل هو الغاية، فإن ذلك يعني مشروعية الوصول إليه بكل وسيلة لا تخالف الأحكام الشرعية، كما أوضح ذلك الفقهاء المسلمون من أن العدل هو الغاية فأي طريق يوصل إليه فثم شرع الله، إقرأ على سبيل المثال ما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية وتلميذه ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية وقد وضح هذا بعمل المسلمين فيما يتعلق بتطور فكرة النظر في المظالم على نحو ما ذكر في المقالة.
ثانيا: فات الكاتب أن ينبه إلى أنه إذا كان وجود القضاء الإداري إلى جانب القضاء العادي مبررا بإقتضاء العدل، وذلك أن الإدارة ليست ندا للشخص الخاص المعنوي أو الطبيعي، لأن اإدارة دافعها المصلحة العامة والأشخاص دوافعهم المصلحة الشخصية، لذا فإن ذلك لا يسمح بالقياس عليه لإخراج مجالات أخرى من النزاع عن سلطة القضاء العادي ذلك أن مبدأ وحدة القضاء مبدأ أساس لتحقيق العدل، وفي هذا الصدد نشيرإلى أن خروج عدد من مجالات النزاع من سلطة القضاء إلى سلطة لجان أوهيئات متعددة في المملكة العربية السعودية هو مخالف لهذا المبدأ، وكان العامل الرئيس فيه مع الأسف هو تقاعس القضاء وترحيبه بخروج هذه المجالات في النزاع عن مسئوليته، بالرغم من المحاولات المتعددة التي بذلت لإرجاع الأمر إلى نصابه، إحتراما لمبدأ وحدة القضاء
صالح بن عبد الرحمن الحصين
رجب 1433 هـ