اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﻌﺎم ﻟﺸﺆون اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام واﻟﻤﺴﺠﺪ النبوي، ﻋﻀﻮ ﻫﻴﺌﺔ ﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء ، وﻋﻀﻮ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺮﺋﺎﺳﻲ ﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ ﻟﻠﺤﻮار اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدية.

الوضع الليلي الوضع المضيء
كامل الشاشة شاشة مقسمة

تفسير صورة العصر

المقدم:

ضيفنا اليوم عين مستشارًا بوزارة المالية والاقتصاد الوطني، ثم عين وزيرًا للدولة وعضو مجلس الوزراء من عام 91 إلى عام 94، ثم أحيل إلى التقاعد إلى أن عين رئيسًا عامًا لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي في ذي الحجة من عام 1422 للهجرة، ثم اختير ليكون رئيسًا لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. ضيفنا أيها الإخوة هو صاحب الفضيلة معالي الشيخ/ صالح الحصيّن، يتحدث عن تفسير سورة العصر، وهي جزء من هذه النجاة التي نتحدث عنها، أترك المجال لصاحب الفضيلة لنستمتع جميعا بالحديث و سماع ما يتفضل به..

الشيخ صالح الحصين:

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك وخليلك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه

أبدأ بتقديم جزيل الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير/ عبد الرحمن -حفظه الله- وأدعو الله أن يكشف ضره، وينشر عليه الصحة، ويجمع له بين الأجر والعافية، وأدعو أن يكون ما أصابه طهوراً له، وأن يسبغ عليه العافية وثوب الصحة.

بعد ذلك، أشكر الإخوة الذين أتاحوا هذه الفرصة للّقاء بهذه المجموعة الطيبة، وقد طلب مني الإخوة -جزاهم الله خيراً- أن ألقي كلمة في هذا الملتقى المبارك، وحددوا عنوانها بأن يكون تفسير سورة العصر، في الواقع تساءلت في البداية، ما هي العلاقة، وما هو الداعي لاختيار هذا الموضوع بالذات، حتى تأملت في السورة فوجدت أنها ترسم منهجاً للمجتمع الإسلامي بكافة، منهجًا شاملًا متكاملًا، وترسم منهجاً شاملاً متكاملاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو أساس هذا الملتقى.

هذه السورة العظيمة، هي من قصار السور، وورد في فضلها الأحاديث والآثار، ومنها ما رواه الطبراني عن أبي مدينة عبدالله بن حصن الدارمي رضي اله عنه (قيل: أن له الصحبة)، قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر، ثم يسلم أحدهما على الآخر. وروي عن الإمام الشافعي عبارة ومعنى ورد بعبارتين، أحدهما ذكره الألوسي في تفسيره أنه لو لم يُنزل على الناس إلا هذه السورة لكفت الناس، وفي لفظ آخر: لو تفكر الناس في هذه السورة كلهم لكفتهم.
هذه السورة لا شك سورة عظيمة، وكما ذكرت فهي ترسم المنهج الكامل للمجتمع المسلم، وترسم المنهج الكامل للدعوة لثوابت هذا المنهج وخصائصه، والالتزام بتطبيقها.

ابتدأت السورة بالقَسَم في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ [العصر:1]. وهذا قسم من الله يشبه أمثاله القسم بالفجر في قوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ  وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر:1-2]. والقسم بالليل في قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى  وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل1-2]. وكذلك القسم بالضحى في قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾ [الضحى:1]. فالله يقسم بما شاء من مخلوقاته، وإقسامه بهذه المخلوقات لصفات خاصة بها، ولعلاقتها بالموضوع المقسَم عليه، ودائماً عندما نقرأ كتب التفسير نجد للّفظ الواحد أو العبارة الواحدة أو الجملة الواحدة عبارات مختلفة، ويظن أن هذا الاختلاف هو اختلاف في تفسير أو في بيان مضمون هذه الألفاظ أو هذه العبارات، فمثلًا في لفظة (العصر) وردت أقوال عديدة عن السلف من الصحابة والتابعين، فقيل: إن المقصود بالعصر الدهر أو الزمن كله. وقيل: العشية (ما بين العصر إلى المغرب). وقيل: الليل والنهار أو الأبردان. وقيل: إنها زمن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن الإمام ابن جرير -رحمه الله- قال: كل هذه في الواقع لا خلاف بينها، فكلها داخلة في الدهر، وإنما تختلف فيها العبارة. وقد أوضح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذا المعنى عندما ذكر اختلاف المفسرين في تفسير الألفاظ أو تفسير العبارات، فقال: إن هذا الاختلاف ليس في الحقيقة هو اختلاف، وإنما كلّ منهم يعبر عن جزء من المعنى أو عن نوع من المضامين للّفظ أو الجملة. وشبه هذا بالأعجمي عندما يسأل: ما معنى الخبز؟ فيُقدَّم له خبزة، فيقال: هذا. فهو لن يفهم أن القصد بكلمة خبز هو هذه الخبزة بعينها أو هذه الخبزة بشكلها، وإنما يفهم أن هذا نوع منه، وهذا هو الواقع بالنسبة لاختلاف المفسرين –رحمهم الله- الذي يظهر كأنه اختلاف منهم في تفسير المضمون، وفي الحقيقة هو اختلاف في التعبير، وكلّ منهم يعبر عن جزء من المعنى.

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر:2]:
وبالمثل اختلف بعضهم في تفسير لفظة (الإنسان)، فمنهم من فسره على أنه أبو لهب أو أبو جهل أو مجموعة أسماء من كفار قريش، أو أنه كفار قريش أو أنه الإنسان الكافر بوجه عام.
الواقع أن هذه الاختلافات مثلما ذُكر ليست اختلافات في الحقيقة، وإنما هي بيان لما يدخل في مضمون هذه العبارة، فالواقع الأصح أن نقول: أن المقصود بالإنسان جنس الإنسان، ولهذا جاء الاستثناء منه، أي كل الناس في خسارة.
كذلك يختلفون في تفسير لفظة (خسر)، لكن الواقع أن مدار الاختلاف على أمرين إما أنه ورد في صفات التنكيل قُصد به التفظيع، أي: في خسارة عظيمة أو أن المقصود منه أنه في نوع من أنواع الخسارة أن كل الناس، يكونون على درجات من الخسارة إلا المستثنين منه.

قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:3]:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾: المقصود به كما جاء في أقوال المفسرين أنه الإيمان بكتاب الله أو إنه التوحيد، ولكن المقصود في الغالب أنه المعنى الشامل، وهو الإيمان بكل ما ورد به الوحي (الكتاب والسنة) الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر و الملائكة والقدر خيره وشره، وكل ما ورد في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة عن الله أو عن اليوم الآخر أو عن أمور الغيب، فكلها داخلة في هذا.

وبالمثل ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، فهي تشمل كل عمل أمر الله به أو توقي كل أمر نهى الله عنه.
قوله: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، والواضح مثل ما ذكرنا أنهم يختلفون في التعبير، وهنا يختلفون في التعبير عن الحق، وما هو المقصود بالحق، وهل هو القرآن، أو هو الإسلام، أو هو أركان الإسلام؟ والواقع أنها تشمل كل هذا الأمر، فكل ما تضمنه الوحي فهو حق، فهو الأمر الثابت الذي يقابل الباطل، فهؤلاء الذين وُصفوا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق، أن من وظائفهم التواصي بالحق أي هداية الناس إلى الحق، وتعليمهم الحق وتذكيرهم به إذا غفلوا أو إذا نسوا.

ووردت (تواصي) بصيغة التفاعل ليدل على أن هذا الأمر مشترك ….

2016

صالح بن عبدالرحمن الحصين

شارك المقال